لمرات عدة جرى تمديد المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني منذ استئنافها بعد توقف جولة بغداد عام 2012، بعد عام، إثر إنجاز الاتفاق على السلاح الكيماوي السوري عام 2013، ولكن عندما وضعت مهل لإنجاز المفاوضات كان الكلّ يعلم أنها مهل لا تتصل بتقدير الوقت اللازم لحلّ قضايا الخلاف تفاوضياً أو لاكتشاف إمكانية حلها من انعدام فرصها. فالتوصل إلى التفاهم واكتشاف الفرص يكفيهما شهر واحد عندما تكون المبادئ المعلومة كأساس لتكوين الملف متفقاً عليها، كحق إيران في التخصيب ومقابله استعدادها لوقفه على درجات مرتفعة والامتناع عن تخزينه بما يمكنها من امتلاك مخزون كاف لتصنيع قنبلة نووية، إضافة إلى تعديل برامج المفاعلات والطرد المركزي بما يتناسب مع هذا التعهّد، وفي المقابل الاستعداد الغربي لرفع العقوبات المفروضة عليها، والتسليم بعدم ربط التفاهم معها على أيّ شأن خلافي آخر كشرط لبلوغ هذا التفاهم. هذه الصورة كانت واضحة للغرب وعلى رأسه أميركا منذ وقف المفاوضات بعد جولة بغداد وإلغاء جولة كانت مقرّرة في موسكو أيلول عام 2012 وقيل إنها للتوقيع النهائي على الاتفاق.
- عندما جرى التأجيل التفاوضي لجولة موسكو كان هدف التأجيل اختبار الخيارات التي قد تسمح بتحسين الوضع التفاوضي. والقصد هنا ليس الملف النووي، بل الملفات الإقليمية التي رفضت إيران ربط التفاوض عليها بملفها النووي لأنها تعلم أنّ المطلوب منها تنازلات إقليمية لنيل ما تعتقد أنّ في مستطاعها نيله من دون تنازلات، خصوصاً في الموقف من «إسرائيل» وخيار المقاومة من جهة، والموقف من سورية والحرب عليها ومستقبل رئيسها من جهة أخرى. وهذا ما قاله الإيرانيون مراراً عن سبب تأجيل الجلسات التفاوضية وربطها برغبة أميركية بفتح التفاوض على الملفات الإقليمية، بينما في المرات السابقة كان التأجيل ربطاً بخيارات بديلة عن التفاوض، منها خيار الحرب «الإسرائيلية» المدعومة أميركياً والتي تصبح بعد يومها الأول حرباً أميركية «إسرائيلية» ربما تدخلها دول الخليج. وقد حدث بحث ذلك كله قبل التوجه إلى خيار «الربيع العربي» لتغيير معادلات المنطقة، ووصلت الحسابات العسكرية الدقيقة إلى أنّ الحرب ستسرّع تحوّل إيران إلى دولة نووية عسكرية، مثلما أدّى التأجيل التفاوضي المتلاحق إلى دخول إيران مجال التخصيب، ثم التخصيب على نسبة مرتفعة تصلح للأنشطة العسكرية، ثم القدرة على التخزين، ليصير سقوط خيارات المزيد من العقوبات والحرب، أيّ الرهان اللاتفاوضي، وبعدها سقوط الرهانات على تغيير معادلات التفاوض، حقيقة لا يفيد إنكارها.
- وصل الأميركي إلى مرحلة الحاجة لربط التفاوض للوصول إلى التفاهم بوقف التخصيب المرتفع والامتناع عن تخزين المخصّب منه، من الجانب الإيراني. وهذا استدعى مهلاً يظنّ البعض أنها مهل غربية بينما هي مهل إيرانية، لأنّ الغرب وعلى رأسه أميركا صاحب مصلحة في أن يستمرّ التفاوض إلى ما لا نهاية منذ القبول الإيراني بالتفاهم على جولات تفاوضية يجري خلالها وقف التخصيب المرتفع النسبة والامتناع عن تخزين المخصّب منه، مقابل مهلة لا تتعدّى السنة لإنجاز الاتفاق، ومتى حدث هذا؟ حدث عندما جاءت الأساطيل الأميركية إلى المتوسط بنيّة الحرب على سورية وعادت كما جاءت. وقد أنجز التفاهم على السلاح الكيماوي السوري إيذاناً بإطلاق المسار التفاوضي سبيلاً وحيداً متاحاً لحلّ المسائل العالقة مع سورية وإيران مهما طال الزمن وتغيّرت المعطيات.
- التمديد الثالث بدأ في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 2014 مع نهاية السنة الأولى المتفق عليها كمهلة لإنجاز التفاهم، وإيران ممتنعة عن التخصيب المرتفع النسبة وممتنعة عن تخزين المخصب. وكان التمديد مختلفاً بالتأكيد ومشروطاً بتحديد مهلة أقلّ فكانت المهلة سبعة شهور محدّدة بوظيفتين وهما، إنجاز الإطار أولاً في أربعة شهور، وقد أنجز، وصياغة النصوص والملاحق في ثلاثة شهور، وتنتهي اليوم، مع تمديد جديد. والواضح أنّ التأخر في الإنجاز لم يكن تقنياً وحسب بل كان سياسياً. فالأميركي قال مراراً إنه مقتنع بفرص التفاهم ومقتنع بجدية التفاوض ومقتنع بأنّ الخلافات كبيرة لكن البدائل صفر، ولا خيار إلا التفاهم، لكن الأميركي يعلن أنه يقف أمام حلفائه المصابين بالخيبة والذهول والعجز عن التأقلم، وهو يمنحهم الفرص إما لإثبات فرص التعديل بالتوازنات ليتسنى الأخذ برأيهم بصرف النظر عن التفاهم كخيار حتمي، أو أن يحصّلوا أوراق قوة تؤهّلهم لدخول تفاوض إقليمي بعد توقيع التفاهم النووي من موقع يسمح بتخفيف الخسائر. والوقت ينفذ، بعدما جاءت التطورات للاختبارات الإقليمية تزيد خيبة الحلفاء بخيبات مضاعفة، من تركيا التي دخلت دوامة مفتوحة داخلياً بعد الانتخابات، والسعودية الغارقة بلا أفق في حرب اليمن والفشل يلاحقها، إلى «إسرائيل» العاجزة عن امتلاك قرار الحرب أو قرار السلم أو قرار الانتظار، بينما خطر الإرهاب يتنامى وتتقدّم إيران وحلفاؤها يتقدّمون الساحة كشريك حتمي في أيّ مواجهة جدية لهذا الخطر.
- هي المرة الأولى التي يصدق فيها الكلام عن تمديد تقني، فأيّ تمديد للأسباب السياسية صار محكوماً بغياب الأسباب، فلم يبق لدى حلفاء واشنطن ما يقدّمونه عذراً لطلب المزيد من الوقت، والتمديد كي تقبله إيران يجب أن يكون أقلّ من القسم الثاني من المهلة التي سبقت، وهو القسم المخصّص للصياغة، أي الشهور الثلاثة، ما يعني تمديداً لشهرين مثلاً، وهو لزوم ما لا يلزم لقصر المهلة من جهة وغياب ما يمكن الرهان على حدوثه فيها من جهة مقابلة، فيصير الأمثل هو التمديد إلى حين الإنجاز بسقف أيام لا تتعدّى العشرين يوماً، والأرجح أن تنتهي في أقلّ طالما كلّ شيء بات محدداً وواضحاً، بما في ذلك ما يتصل بالقضايا المستجدة كتفتيش المواقع العسكرية أو استجواب العلماء باعتبارها مسائل ليست من اختصاص وكالة الطاقة الدولية بل مجلس الأمن، الذي يستطيع من دون اتفاق أن يتلقى أيّ شكوى أو شكوك موثقة وأيّ طلب تفتيش مبين الأسباب والوثائق، ويعود إلى مجلس الأمن القبول أو الرفض، وهذا ما يمكن توثيقه في التفاهم كمخرج علماً انه من باب تحصيل الحاصل وحفظ ماء الوجه.
- العالم الجديد يدخل اليوم مناخ التغيير ويستعدّ لدخول التغيير الكبير خلال أيام قليلة على إيقاع متغيّرات إقليمية يبدو فيها محور المقاومة ينتقل إلى صدارة المشهد بانتصارات ميدانية من جهة، وتفوّق سياسي من جهة مقابلة، من روسيا إلى إيران إلى سورية والعراق واليمن وأولاً وأخيراً المقاومة وموقعها في الخريطة الجديدة للمنطقة… فهل يقرأ بعض اللبنانيين؟
[email protected]
أضف تعليق