مساء اليوم الذي شهد صدور حكم البراءة على مبارك ونجليه ومعاونيه، انطلقت مظاهرات احتجاجية دعت إليها بعض الحركات الشبابية والقوى السياسية المدنية، وواجهتها قوى الأمن بعنف شديد، مستخدمة تجهيزاتها الجديدة مما أدى لسقوط قتيلين أو ثلاثة وفقا لمصادر مختلفة.
وبالرغم من أن الحكم بالبراءة كان متوقعا، إلا أن صدوره أكد على بعض رسائل الدولة للمواطنين، ومنها أن منظومة القضاء والقانون كأحد أجهزة الدولة الرئيسية عاجزة أو غير راغبة في التغيير.
جهاز الأمن الذي ما زال عاجزا أو متراخيا في مواجهة الانتهاكات الأمنية والجريمة، يبدي الكثير من الحركية والكفاءة في مواجهة مظاهرات المعارضة المدنية السلمية.
يبقى أن الرسالة الأكثر أهمية في هذا الحكم، تتعلق بالحصانة التي يتمتع بها رجال الأمن والسلطة، بعض الرسائل على شبكات التواصل الاجتماعي تساءلت كيف يمكن للقضاء المصري إصدار حكم بالإعدام على 600 شخص من الجلسة الثانية في قضية مقتل ضابط شرطة، وتبرئة رئيس الدولة في أحداث أدت لمقتل أكثر من 800 شخص في مظاهرات جرت في الميادين العامة.
قبل صدور الحكم بحوالي الأسبوع، اعتقلت الشرطة محمد علي بشر، والذي كان، حتى ذلك التاريخ، الوحيد من بين أعضاء مكتب إرشاد الإخوان المسلمين المقيم علناً في مصر دون أن يتم توقيفه، حيث من المعروف أنه كان رجل الحوار أو القناة الممكنة لتواصل السلطة مع الجماعة، وقد لعب هذا الدور بالفعل في عدة مناسبات سابقة، واعتبر البعض أن اعتقاله يشكل دلالة على عزوف السلطة عن المصالحة التي دعت إليها بعض الأطراف المحلية والدولية.
في الوقت ذاته، صدرت عدة تصريحات من رجال أعمال وإعلاميين ينتمون إلى معسكر 30 يونيو، تضمنت انتقادات ضمنية وصريحة لقدرة الرئيس عبد الفتاح السيسي على إدارة أمور البلاد، وبررها البعض بابتلاع الجيش لعدد متزايد من عقود المشاريع الكبرى، واستبعاد رجال الأعمال المدنيين منها. وبناء على ذلك تساءل بعض المراقبين عما إذا كنا أمام قوى متجانسة تتمثل في الجيش وحده وتهيمن على أدوات الدولة بصورة كاملة، أم أننا أمام تحالف للقوى التي تقاطعت مصالحها في إسقاط سلطة الإخوان، ويمكن لها أن تختلف أو حتى تتناقض أمام الكعكة الاقتصادية التي تتعامل معها مؤسسات الجيش الاقتصادية، حاليا، بصورة صريحة ومباشرة.
في نهاية الأمر، هل يمكن تحميل مسئولية الحكم في قضية "القرن" للمستشار محمود كامل الرشيدي، رئيس محكمة جنايات القاهرة ؟ أم أن رجل القانون طبق نصوص القانون التي تمت صياغتها على مدى 30 عاما في ظل نظام كان المتهم الأول في القضية على رأسه، وهل يقتصر فساد نظام على أفعال قياداته ورجاله، أم أنه يطال البنيات والقواعد التي يعمل وفق لها، والتي يمكن أن تتحول إلى بنيات وقواعد رسمية بعد مرور هذه العقود الطويلة؟
[email protected]
أضف تعليق