تشهد وزارة التعليم الإسرائيلية حالة غير مسبوقة من التوتر الإداري، في ظل معطيات تشير إلى أن المستشار السياسي لوزير التعليم يوآف كيش، أسيف كزولا، بات الجهة الفعلية التي تحسم القرارات المركزية داخل الوزارة، في تجاوز واضح للمسارات المهنية والمؤسسية المعمول بها.

مصادر مهنية داخل الوزارة أكدت أن آليات اتخاذ القرار تغيّرت جذريًا، حيث تمر قرارات حساسة عبر مكتب المستشار، دون الرجوع إلى لجان مختصة أو مستويات مهنية، ما أدى – بحسب وصف مسؤول سابق – إلى تحويل الوزارة إلى مؤسسة تُدار عبر “مركز قرار واحد”، بعيدًا عن النهج التنظيمي المتبع في جهاز شديد الحساسية كجهاز التربية والتعليم.

غنايم: نطالب باستقلالية أوسع للتعليم العربي

وفي هذا السياق، قال مازن غنايم، رئيس بلدية سخنين ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، في حديث لموقع “بكرا”، إن جهاز التعليم العربي “يدفع الثمن منذ سنوات طويلة نتيجة سياسة التسييس”، مشددًا على أن السلطات المحلية العربية تطالب منذ سنوات بمنحها استقلالية أوسع في إدارة التعليم.

وأضاف: “ما يلائم طلاب نهاريا أو نتانيا أو بئر السبع لا يلائم بالضرورة طلاب رهط أو الطيرة أو عرابة. منذ عام 1948 وحتى اليوم تُستخدم السياسة في إدارة التعليم، ونحن نطالب دائمًا بتمثيل عربي أوسع داخل الوزارة”.

زحالقة: أسوأ وزير تربية منذ عقود

من جانبه، قال د. جمال زحالقة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، إن الوزير يوآف كيش “يستحق لقب أسوأ وزير تربية وتعليم في العقود الأخيرة”، مشيرًا إلى أنه يعتمد في قراراته على “حسابات حزبية تخدم اليمين المتطرف”.

وأضاف أن الوزير “يضيق على تدريس الديمقراطية، ويمنع مجموعات ليست من معسكره من دخول المدارس، بينما تُقلص الميزانيات عن حساب التعليم العربي”، مؤكدًا أن سياسة المحسوبية تتكثف مع اقتراب الانتخابات والانتخابات التمهيدية في حزب الليكود.

وأشار زحالقة إلى أن التعيينات في الوزارة تتم وفق اعتبارات سياسية، وليس مهنية، الأمر الذي ينعكس سلبًا وبشكل استراتيجي على واقع التعليم العربي، داعيًا الأهالي ولجان أولياء الأمور إلى التحرك عبر الاحتجاجات واللجوء للمحاكم للدفاع عن حقوق الطلاب.

بن سعيد: التعيينات في وزارة التعليم أصبحت سياسية بامتياز والمجتمع العربي يدفع الثمن

من جانبه، قال عضو الكنيست عن الحركة العربية للتغيير، د. سمير بن سعيد، في حديث لمراسل موقع “بكرا”، إن وزارة التربية والتعليم باتت تُدار بمنطق سياسي لا مهني، في ظل خضوعها لاعتبارات حزب الليكود بوصفه الحزب الحاكم.

وأضاف:“ندرك جميعًا أن حقيبة التربية والتعليم تُعد وزارة سيادية يتولاها ممثل الحزب الأكبر في البلاد، لكن المؤسف أن العمل السياسي أصبح يؤثر بشكل مباشر وعميق على الأداء المهني داخل الوزارة. اليوم نشهد تعيينات في مختلف مفاصل الوزارة لأشخاص غير مهنيين، أو مهنيين يدينون بالولاء السياسي للوزير وأجندة الليكود، وهذا واضح في تعيينات مديري الألوية، الأقسام، وحتى في المدارس بين المديرين والمعلمين”.

وأوضح أن هذه السياسة ألقت بظلالها الخطيرة على المجتمع العربي، قائلاً: “لم يعد خافيًا على أحد أن من يكون قريبًا من رئيس مجلس محلي أو بلدية هو الأوفر حظًا في التعيين، خصوصًا في لجان اختيار المدراء والمعلمين. صحيح أن هناك رؤساء سلطات مهنيين، لكن الأغلبية جاءت بخلفيات عائلية أو سياسية، ما قاد إلى تفشي الفساد داخل جهاز التربية والتعليم”.

استقالة رئيسة قسم العلوم مؤشر خطير

وتابع بن سعيد: “مستشار وزير التربية والتعليم يمتلك اليوم صلاحيات شبه مطلقة، وهو من يعيّن أذرعه وأعضاء الليكود في مواقع ومراكز حساسة. واستقالة د. جيلمور كِيشت، رئيسة قسم العلوم في الوزارة، احتجاجًا على الفساد والتعيينات غير المهنية، تؤكد أن الجهاز بدأ يفقد محتواه المهني، الأمر الذي سينعكس سلبًا على العملية التعليمية، وخاصة في المجتمع العربي”.

وأردف: “في كل مرة يحدث خلل في التعيينات داخل الوزارة، فإن أول من يدفع الثمن هو المجتمع العربي. نحن نعاني من مشكلة بنيوية عميقة، وإذا لم يتم التغيير من أعلى، فسنبقى في دائرة المعاناة. الوزير هو من يرسم السياسة التعليمية، وأتمنى أن تأتي حكومة أقل عنصرية وأكثر مهنية”.

مطالب بلجنة مستقلة للتعيينات

ودعا بن سعيد إلى إبعاد رؤساء السلطات المحلية عن تعيين مديري المدارس، قائلاً: “لو كنت في موقع قرار، لاتخذت فورًا قرارًا بتحويل تعيين مديري المدارس إلى لجنة مهنية مستقلة، بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو عائلية”.

وختم بالقول: “نشهد اليوم أن أغلب التعيينات سياسية. ففي لواء الجنوب، على سبيل المثال، جرى تعيين ستة مستشارين للمجتمع البدوي من قبل مديرة اللواء، وجميعهم من المجتمع اليهودي! هل يُعقل أن يُعيَّن أشخاص من وزارة الزراعة أو سلطات أخرى دون مناقصات؟ إلى جانب ذلك، نحن أمام حوادث خطيرة داخل المدارس، من قتلٍ داخل مدرسة، إلى قضايا تحرش جنسي. لذلك يجب أن نقول بصوت واحد: كفى! المجتمع العربي يستحق جهاز تربية وتعليم مهنيًا وعادلًا، قائمًا على أسس مهنية لا سياسية”.

موجة استقالات لكبار المهنيين

هذا التحول في نمط إدارة الوزارة ترافق مع موجة استقالات واسعة في صفوف كبار المسؤولين المهنيين. وكان آخرها استقالة د. جيلمور كيشت-ماور، رئيسة قسم العلوم، بعد عشر سنوات من العمل، في خطوة تحمل دلالة مهنية لافتة.

وتشمل قائمة المستقيلين مدراء إدارات، مفتشين، وموظفين مركزيين. وبحسب منسقة إدارية سابقة في الوزارة، فإن “أصحاب المناصب لم يعودوا يجرؤون على إبداء رأي مهني، وأفضل الكفاءات تختار المغادرة”، في ظل تصاعد أجواء الخوف من مواجهة الوزير أو دائرته المقربة.

شبهات تضارب مصالح ومناقصات

إلى جانب الأزمة الإدارية، طفت إلى السطح شبهات خطيرة تتعلق بتضارب المصالح. فقد كشفت تقارير إسرائيلية عن منح مناقصة حكومية لشركة نقل تبيّن لاحقًا ارتباطها بعائلة مستشار الوزير، ما أدى إلى وقف المشروع بعد إثارة علامات استفهام قانونية.

كما جرى تمديد عقود ضخمة لشركة تعمل فيها زوجة المدير العام الحالي للوزارة، دون طرح مناقصة جديدة، وهي خطوات فُسرت داخل الوزارة على أنها تعزز “شبكة ثقة شخصية” بدل منظومة مهنية خاضعة للرقابة.

انعكاسات مباشرة على التعليم العربي

تزامن هذا الواقع مع أزمة فعلية في المدارس العربية، تمثلت في تأخير تحويل الميزانيات، والتلويح بتجميدها بدعوى عدم صرفها، رغم أن المدارس لم تتسلمها أصلًا. وأدى ذلك إلى تعطيل برامج تعليمية، ونقص في الساعات الدراسية والإرشاد والدعم.

في المقابل، شهدت المدارس العربية أحداثًا صادمة، من بينها اعتداءات على معلمين، قضايا تحرش، ومقتل طالب داخل مدرسة في كفر قرع، إلى جانب حادثة إطلاق نار على حافلة تنقل طلابًا من ذوي الاحتياجات الخاصة في شفاعمرو، وسط غياب خطة تدخل واضحة من الوزارة.

رد الوزارة

وزارة التعليم نفت، في رد رسمي، وجود تدخلات غير قانونية في التعيينات أو المناقصات، مؤكدة أن التغييرات تتم وفق الأنظمة، وأن الاستقالات مرتبطة بالتقاعد أو انتهاء الفترات الوظيفية. كما نفى الوزير كيش صحة ما نُشر، واعتبره “غير دقيق”.

لكن المعطيات الميدانية، بحسب مصادر مهنية، تشير إلى نمط إدارة جديد يربط القرار التربوي بالسياق السياسي المباشر، ويضع مستقبل جهاز التعليم، وخاصة في المجتمع العربي، أمام مرحلة مقلقة ذات تداعيات تربوية واجتماعية خطيرة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]