قُتل الشاب نضال مساعدة بالأمس، قتل وهو في الـ 35 من عمره، في بلدتي، كفر ياسيف، وكان يعمل حارسًا في المدرسة الابتدائية. أُطلق عليه النار أثناء تأديته لواجبه. بينما نزل أطفال صغار من السيارة مع آبائهم وأمهاتهم وعبروا ممر المشاة متجهين إلى صفوفهم، وصل اثنان من الجناة وأفرغا مخزنين كاملين في جسد نضال. نزف حتى الموت عند مدخل المدرسة. سمع الأطفال إطلاق النار، وبعضهم شاهدوا الجريمة، وشاهدوا الدم وشاهدوا الحارس الذي يعرفونه ويلقون عليه تحية الصباح كل يوم، يلفظ أنفاسه الأخيرة.
أنا حزينة وغاضبة، لكن في المقام الأول أشعر بشعور رهيب من العجز، كما يشعر أغلب المجتمع العربي في إسرائيل. يطلقون النار علينا في الشارع، يطلقون النار علينا في كل مكان. الدولة تخلت عن أمننا الشخصي. في قريتي هناك محطة للشرطة تبدو مثل الحصن. تقع على الطريق الرئيسي، واضحة للجميع. يدخل ويخرج منها عشرات الضباط يوميًا، وهناك دوريات عديدة تجوب القرية كل يوم. إذن ليس هناك نقص في الأفراد. محطة شرطة تبدو كحصن، محطة منفصلة عن السكان. هم يعرفون تمامًا مكان وجود المجرمين، من يقودهم ومن يجندهم لسلب الناس حياتهم مقابل المال. ومع ذلك، هذا الصباح — لم يكونوا هناك لحماية تلاميذ المدرسة الابتدائية، ولا لحماية نِضال. تختار هذه الشرطة كل صباح ألا تفعل شيئًا بالمعلومات المتوفرة لديها. تختار أن تسمح لهذا الجنون بأن يستمر.
لا ينبغي أن ننسى أن ما يجري ليس مجموعة أحداث عرضية ومعزولة، وقصة نضال ليست قصة محطة شرطة كفر ياسيف أو عدد من الضباط فقط. إنها آلية تعمل بكفاءة، آلية تبني غياب الأداء هو جزء من سياستها.
العنف في المجتمع العربي لا يحدث "رغمًا" عن الدولة، بل من خلالها. يحدث في مساحة تكون فيها الشرطة حاضرة بالكامل لكنها لا تعمل، في مساحة يسود فيها القمع والتمييز اللامتناهِي ضد المجتمع العربي في كل مجالات الحياة — لدرجة أن العنف لا يكون نتيجة فقط، بل أداة للسيطرة التي تستخدمها الدولة لإنتاج نظام اجتماعي هرمي حيث يقتل المواطنون بعضهم بعضا.
بهذه الصورة يتحول المجتمع العربي إلى حلبة تكون فيها الدولة حاضرة وغائبة في آن واحد: تراقب وتعلم، لكنها أيضاً تكسب سياسيًا من الفوضى التي تسمح بها.
من هذا المنطلق، المحطة في البلدة ليست استثناءً، بل تعبير محلي عن حكم انتقائي. مظهر ظاهر وحضور رمزي، إلى جانب غياب فعلي للحماية والعدالة والمساواة.
الناس فقدوا الأمل وبحق. الأمل بأن الشرطة ستساعدهم، أو أن الدولة ستقف خلف واجبها الأساسي تجاه مواطنيها وتوقف القتل الذي لا يتوقف في القرى والمدن العربية. كنت سأكتب عدد الجرائم منذ بداية العام، والتي تجاوزت الـ200، لكن قررت ألا اذكر الرقم، لسببين، الأول بأن التعامل مع الأمر كأرقام يقلل في فظاعة كل جريمة وجريمة، ومن حقيقة أن كل قتيل هو عالم بأكمله وبقتله تتدمر عائلة كاملة بجانب انتهاء حياته بما فيها من مشاريع وأحلام ومشاعر، والثاني لأن الأرقام ترتفع بشكل مرعب لدرجة أن ما بين كتابة المقال ونشره، قد يتغير الرقم. الكثير من الجرائم دون لوائح اتهام، وأحيانا دون أي إجراءات حتى. السياسة واضحة، ونحن نعرفها. لسنا سذجًا أمام المحاولات لدفعنا للهجرة أو للانطواء داخل بيوتنا أو لليأس أكثر، البعض يفعل ذلك خوفًا من المساس بعائلته في ظل عدم توفر أي حماية، وهي الحق الأساسي لكل مواطن في أي دولة طبيعية، أن تحميه، أن يحميه القانون. أشخاص كانوا يحلمون بالعودة للسكن في قراهم وتأسيس عائلاتهم، صاروا اليوم يفكرون مرتين. راحة ورفاهية الحياة المجتمعية استبدلت بشعور دائم بالخوف، شعور كرة طائشة قد تصيب طفلك فور إنزاله عند باب المدرسة.
فقدنا الأمل في الشرطة والدولة لكننا لم نفقد الأمل في مجتمعنا. رغم محاولات الحكومة المستمرة لتفكيكنا بكل الوسائل الممكنة، المجتمع العربي هو مجتمع، وللمجتمع قوة. كلما قلّلت الدولة من حدود مسؤوليتها — سنوسع حدود التضامن والاعتماد المتبادل على بعضنا البعض. ورغم تنصّل الدولة من واجباتها ودفع المجتمع العربي إلى الهامش وعرض بقائنا اليومي كـ"فشل ثقافي" لا كفشل سياسي — نحتفظ بالإيمان بمجتمعنا، بشعبنا، بقيمنا. كما ناضلنا (وما زلنا) لسنوات لوقف القتل في غزة، نواصل النضال لوقف الموت أيضًا داخل مجتمعنا. معًا نجحنا في جمع مساعدات إنسانية لقطاع غزة، ووضع ملاجئ واقية في القرى غير المعترف بها في النقب، ونكافح معًا حالة الإهمال الممنهج التي تلقي بها الدولة علينا عبر الجريمة.
الحرب على غزة ربما انتهت، لكن معركتنا من أجل مجتمعنا، من أجل اليهود والعرب معًا ومن أجل المساواة والعدالة لم تنته. لا يجوز أن يتحول النضال ضد الجريمة في المجتمع العربي إلى نضال خاص في المجتمع العربي نفسه، أو أن يقسم بين يهود وعرب. وهذا النضال يجب أن يتصاعد ويتصدر كل النضالات والاحتجاجات في البلاد، لأن أرواح أبناء مجتمعنا غالية ولا نقبل بالمزيد من هدر الدماء، ويجب أن يشارك كل المجتمع العربي في هذا النضال، بلا استثناء، لأن الجريمة لا تستثني أحدًا واذا لم تصل بيتك اليوم، فهي في بيت جارك، وقريبًا ستصلك، وكذلك المجتمع اليهودي عليه أن يفهم ذلك وأن يشارك بأكمله وبمختلف تياراته وتوجهاته في هذا النضال، فلا يمكن لمجتمع أن يتعامل مع انعدام سلطة القانون لدى 20% من مواطني دولته كأمر طبيعي، فهذا ليس أمرًا طبيعيًا، وهذا، وصل إلى المجتمع اليهودي ويصله وسيصله أكثر. ما حدث عند مدخل المدرسة في كفر ياسيف يمكن أن يحدث أيضًا في مدرسة في كفار سابا أو في أي بلدة يهودية. بالأمس قُتل سيرجي ماتوف، وهو مواطن يهودي، اثناء مروره على شارع 433 خلال جريمة اطلاق نار ضمن الجرائم التي تحصل في المجتمع العربي. وبالأمس تم الإعلان عن وفاة الطبيب زياد أبو عابد من رهط، طبيب شاب يعمل في مستشفى سوروكا، لم تستثنيه الجرائم، لأنها لا تستثني أحدا. بالأمس وقعت الجريمة في بلدتي، وأمام أطفال بلدتي، وأكتب اليوم كي لا تقع غدًا في بلدتكم وأمام أطفالكم.
الكاتبة مُديرة قُطرية مشاركة في حراك "نقف معًا"
[email protected]
أضف تعليق