في خطوة تعكس توجهات حكومة اليمين المتطرف، وزعت وزارة التربية والتعليم استبيانًا جديدًا للطلاب يتضمن للمرة الأولى أسئلة تتعلق بالتوجهات والانتماء. يشمل الاستبيان أسئلة حول أجواء الحصص وسلوك المعلمين (مثل الشعور بالراحة في التوجه إلى أحد أعضاء طاقم المدرسة عند الحاجة)، بالإضافة إلى أسئلة تتعلق بتأثير الحرب. ومن بين الأسئلة، يُطلب من الطلاب التعبير عن موافقتهم على عبارة: "أحترم بشدة التقاليد اليهودية (مثل الأعياد، والعادات، وكتب الدين)". كما أن مصطلح "علماني" لا يظهر في الاستبيان؛ حيث يُشار إلى اليهود العلمانيين بـ"غير المتدينين" عند الحديث عن تنظيم لقاءات تعريفية مع مجموعات مختلفة في المجتمع الإسرائيلي، مما يعكس تجاهلاً مستمرًا طويل الأمد لتطوير الهوية العلمانية.
الأسئلة الجديدة، وفق ما نشرته "هآرتس"، تندرج ضمن استبيان شامل تنظمه الهيئة الوطنية للقياس والتقييم (راما)، والتي تقوم بإجراء اختبارات واستبيانات تشمل امتحانات ميتساف واستطلاعات آراء للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. وقد وجهت مصادر داخل الوزارة وخارجها انتقادات لصياغة بعض الأسئلة واختيارها، مشيرين إلى أنها توجه الطلاب نحو اليهودية الحريدية، وتتجاهل الجمهور العلماني، ولا تلتزم بمبدأ احترام القانون. وأكدت المصادر أيضًا أن بعض الأسئلة موجهة فقط للطلاب اليهود.
الاستبيان إلزامي. وبالنسبة للطلاب العرب، تضمن الاستبيان أسئلة مثل: "هل تشعر بالفخر عند رؤية علم الدولة؟" و"هل ترغب في المشاركة بخدمة ذات مغزى في دولة إسرائيل (مثل الخدمة المدنية أو الوطنية أو العسكرية)؟". وأعربت مصادر مطلعة عن مخاوفها من أن تُستخدم نتائج الاستبيان من قبل وزارة التربية تحت قيادة الوزير يوآف كيش لانتقاد مجموعتين من السكان: العلمانيين والعرب. وعلقت الوزارة على الانتقادات قائلة إن "أي نسب نوايا سياسية أو دينية للأسئلة هو أمر خاطئ".
تبيّن أن صياغة الأسئلة تمت بالتشاور مع إدارة التعليم الديني (التي تعتبر جهة قوية) وقسم التعليم العربي (الأضعف بكثير). تضمنت الاستبيانات ثلاث أسئلة حول مكانة المبادئ اليهودية والديمقراطية في إسرائيل، بما في ذلك واحدة تجمع بين المبدأين وأخرى تركز على أحدهما ("من المهم لي أن تكون إسرائيل يهودية وديمقراطية"، مقابل "من المهم لي الحفاظ على القيم اليهودية" أو "القيم الديمقراطية"). لكن تبيّن أن منظمي الاستبيان قرروا عدم توجيه السؤالين الأخيرين للطلاب العرب، مما يمنع معرفة مواقفهم بشأن القيم الديمقراطية (أو اليهودية).
أشار مصدر في الوزارة إلى أن هذا القرار يعطي انطباعًا بأن "الاستبيان موجه فقط لليهود"، بدلاً من تقديم صورة شاملة تمثل الجميع. وعلقت مصادر أخرى على صياغة الأسئلة، قائلة إنها تفترض وجود إجماع حول معنى القيم اليهودية، وهو أمر غير واقعي.
الاستبيان مجهول الهوية، وتم توزيعه على آلاف الطلاب من صفوف مختارة بين اثنين وأربعة في كل مدرسة. وأوضحت الوزارة أن البيانات تجمع وتُعالج على المستوى الوطني دون ارتباط بأي مدرسة معينة، والتقسيم الوحيد للبيانات هو حسب المجتمع اليهودي أو العربي.
د. نير ميخائيلي، المدير التربوي للمجلس الوطني للتعليم الرسمي العبري، صرح بأن الوزارة تدعم إدراج التعليم القيمي في صلب الاستبيان، لكنه أشار إلى أن صياغة الأسئلة تعكس تجاهلاً للجمهور العلماني. وأوضح أن الاستبيان ينقصه التركيز على قيم وثيقة الاستقلال، في حين تم التشاور مع جهات دينية وعربية، لكن التعليم الرسمي بقي مُهملاً.
خطوة مقلقة
بدوره، صرح د. شرف حسن، رئيس لجنة متابعة التعليم في المجتمع العربي، أن الاستبيان يبعث برسالة واضحة للمعلمين والمديرين بشأن القيم المتوقعة منهم. وأعرب عن قلقه من أن يؤدي الاستبيان إلى تجنب المدارس العربية مناقشة مسائل الهوية.
وتابع د. حسان:الأمر يثير تساؤلات حول الأجندة الكامنة وراء هذا البحث، خاصة مع تجاهل ظاهرة العنصرية المتصاعدة في المجتمع. الاكتفاء بسؤال عام عن التربية على التسامح ليس بديلاً عن سؤال صريح حول وجود تعليم ضد العنصرية في المدارس. تحت مظلة "التسامح"، يمكن إدراج عدد لا نهائي من الأنشطة، التي قد لا تعالج أياً منها العنصرية بشكل فعلي. وعندما يتم تجاهل هذا السؤال، فإن الرسالة التي يتم إيصالها هي أنه لا توجد توقعات لبرامج عميقة تتعلق بالتربية على قيم الديمقراطية ومكافحة العنصرية. إلى جانب ذلك، من اللافت أيضاً غياب سؤال حول الديمقراطية باللغة العربية. هل يعني ذلك أن المتوقع فقط هو تعزيز فكرة "الدولة اليهودية" وقانون القومية، دون أي تطلعات لتعزيز مفاهيم الديمقراطية وحقوق العرب أو حتى مشاركتهم في هذه المواضيع داخل المجتمع العربي؟
الوزارة لم تعقب حتى الآن حول صياغة الأسئلة واستبعاد مواضيع معينة، واكتفت بالإشارة إلى أن الاستبيان يعتمد على صياغة متوازنة تم تطويرها بالتعاون مع عشرات المختصين في التربية والأكاديميين والممثلين عن كافة شرائح المجتمع. وأضافت أن الأسئلة تم اختيارها بعد إجراء تجارب استباقية ومشاورات لضمان ملاءمتها للقطاعات المختلفة.
[email protected]
أضف تعليق