منذ السابع من أكتوبر 2023، تفاقمت التقييدات التي يواجهها المعلمون العرب في إسرائيل، حيث شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الاعتقالات واستحداث قوانين جديدة تستهدف الحد من حرية المعلمين في مناقشة قضايا سياسية واجتماعية داخل الصفوف الدراسية. هذه التقييدات تأتي في سياق تضييق متزايد على حرية التعبير، مما يعوق المعلمين عن توجيه الطلاب نحو فهم أعمق للهوية والانتماء الوطني.

بالإضافة إلى التحديات اليومية، يعاني المعلمون من ضغوط متزايدة فيما يتعلق بتناول القضايا المتعلقة بالهوية الفلسطينية أو التاريخ العربي، ما يجعلهم في موقف حرج بين تلبية المتطلبات الرسمية والحفاظ على رسالتهم التربوية في تمكين الطلاب من الوعي السياسي والاجتماعي.

واجب المعلم

وفي حديثٍ خاص حول الموضوع مع د. ميسون شحادة- ارشيد، المحاضرة في قسم العلوم السياسية في جامعة بار ايلان وقسم التاريخ والفلسفة في الجامعة المفتوحة، قالت لـ "بكرا": في جهاز التعليم العربي في إسرائيل، يواجه المعلمون تقييدات عديدة تعيق حريتهم في توجيه سيرورة التربية والتعليم بشكل يؤسس للوعي السياسي والاجتماعي والوعي للهوية على كافة مركباتها الفردية والجمعية. ومع ذلك، من واجب المعلم بل ومطلوب منه أن يعمل على تنمية التنوير السياسي والاجتماعي لدى طلابه. لتحقيق ذلك، يتعين على المعلم أن يخلق مساحة تربوية آمنة، يحيد فيها آرائه الشخصية، ويوجه الطلاب للبحث بأنفسهم عن إجابات تتوافق مع قناعاتهم، ومن ثم يبادر إلى نقاش عقلاني بنّاء غير متطرف داخل الصف.

واضافت: هذا التوجه يجب أن يُطبق في سيرورة تراكمية تبدأ من جيل ما قبل المدرسة وتستمر حتى نهاية الصف الثاني عشر. على سبيل المثال، يمكن للمعلم في المراحل الابتدائية تشجيع الأطفال على استكشاف هويتهم من خلال قصص عن التنوع الثقافي، أو عبر مشاريع فنية حيث يعبّر الطلاب عن مكونات هويتهم من خلال الرسم والتصميم. مع تقدم الطلاب في العمر، يمكن أن تتحول هذه الأنشطة إلى بحوث أكثر عمقًا حول أصول أسمائهم العائلية، أو استكشاف تاريخ المجموعات المختلفة في المنطقة.

وأوضحت: في المراحل المتوسطة، يمكن أن يقوم المعلمون بتوجيه الطلاب لتنفيذ مشاريع بحثية. هذه المشاريع يمكن أن تعتمد على استخدام مقاطع من نشرات الأخبار كأمثلة للنقاش. يمكن للطلاب قص أجزاء من تقارير إخبارية تتناول قضايا سياسية واجتماعية، ومن ثم مناقشة كيفية تقديم هذه القضايا في وسائل الإعلام وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الوعي الجمعي.

واكملت: في المراحل الثانوية، يمكن للمعلمين تنظيم مناظرات بين الطلاب حول قضايا سياسية واجتماعية معقدة، مثل "محطات في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني". من خلال هذه المناظرات، يمكن للطلاب أن يبحثوا عن آراء مختلفة لباحثين أو سياسيين، ومن ثم يعبروا عن آرائهم ويطوروا حججًا منطقية قائمة على البحث والتحليل. يتم توجيه الطلاب لبناء حلول تساعدهم مستقبلاً في التعبير عن آرائهم بشكل عقلاني وغير صدامي، مع التركيز على أهمية احترام الآخر.

تعزيز التفكير

واشارت: إضافةً إلى ذلك، من المهم أن يقوم المعلم بتعزيز التفكير التاريخي لدى الطلاب، حيث يساعد هذا النوع من التفكير على توسيع نظرة الطلاب للواقع الحالي باعتباره نتاجًا لأحداث سابقة، وله تداعيات مستقبلية. فهم الطلاب أن واقعهم ليس فريدًا بل هو جزء من تحديات مشابهة واجهتها شعوب ومجتمعات أخرى في العالم، سواء في الماضي أو الحاضر، يمكن أن يساعدهم في النظر إلى واقعهم من منظور غير مأزوم، بل كفرصة للتعلم والتطور.

وأكملت: مهم أن أذكر أن التفكير النقدي والإبداعي هما جزء أساسي من مهارات التعليم للقرن الـ21 التي نصت عليها منظمات التعليم العالمية. هذه المهارات فيما يتعلق بالوعي السياسي والاجتماعي والوعي للهوية، لا تساعد الطلاب فقط في مواجهة تحدياتهم الشخصية، بل تمكنهم أيضًا من فهم العالم من حولهم بطريقة أكثر شمولية وتوازنًا.

وأوضحت: دور المعلم هنا يتجاوز مجرد توصيل المعلومات؛ فهو يقوم بتوجيه الطلاب لتخفيف التوتر والصدام بين وعيهم وانتمائهم للهوية الوطنية من جهة، وبين هويتهم المدنية من جهة أخرى. هذا التوازن الحساس يمكن تحقيقه من خلال تعزيز الحوار المفتوح والاحترام المتبادل، مما يساعد الطلاب على تطوير وعي سياسي واجتماعي ناضج يمكنهم من مواجهة تحديات المستقبل بثقة.

وختمت: من خلال هذه الاستراتيجيات التراكمية التي تتطور مع تقدم الطالب في المراحل الدراسية، يستطيع المعلم العربي تحويل التحديات التي يواجهها إلى فرص تعليمية تساهم في تمكين الطلاب من مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية، وتعزيز وعيهم بهويتهم الوطنية والسياسية في إطار بيئة تعليمية محفزة وآمنة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]