في شريعة حمورابي كان القاضي أو المسؤول المرتشي يُقتل ويُسلخ جلده ويستخدم في تغليف المقعد الذي سوف يجلس عليه البديل عنه ليتذكر ولا ينسى فعلته!
كذلك الامر كان يعاقب الوزير المرتشي عبر قرار بتحويله من وزير الى حاجب في نفس الوزارة التي كان يعمل فيها وعلى عيون الموظفين.
حمورابي وهو سادس ملوك بابل، والذي وضع شرائع لتنظيم العلاقات بين الناس والحاكم وبين الناس ببعضهم البعض، وكان ذلك قبل قرابة 1770 عام قبل ميلاد السيد المسيح، عليه وعلى أمه السلام.
تضم شريعة حمورابي 282 قانوناً وتعالج قضايا اقتصادية واجتماعية عرفها المجتمع في عهد حمورابي، فهي تتناول أمور القضاء والأمن، وحقوق المحاربين ومسؤولياتهم وشؤون الزراعة والملكية وشروط القروض، والأحوال بما تتضمنه من أمور الزواج والطلاق والميراث، وتتطرق إلى القصاص والتعويضات، وإلى أجور أصحاب المهن، واشتملت في ثناياها على أحكام راقية يقبلها المنطق في كل عصر، وأحكام أخرى يصعب على المرء قبولها إلا بمنطق العصر الذي ظهرت فيه.
وغلب على معظم المواد طابع الشدة والقسوة في مواجهة الإضرار بمصالح الدولة والاعتداءات على النفس والمال، وكان المبدأ الذي يتعامل معه، معالجة الأضرار التي لا تتسبب بالموت، هو «العين بالعين والسن بالسن»، ولكنه لم يطبق على كل الطبقات الاجتماعية، إذ كان المجتمع في عهد حمورابي وفي قانونه ينقسم إلى ثلاث طبقات: الأحرار والعبيد وطبقة متوسطة بينهما، فإذا ما نجمت الأضرار نفسها عن طبقة عليا ولحقت أفراداً من طبقة أدنى كانت العقوبة أخف، وتقضي بالتعويض المادي وحده.
وقد أشار الباحث الدكتور جورج كنتينو أن شريعة حمورابي أعطت المرأة حقوقاً لم تعطها فرنسا للمرأة إلا مطلع القرن العشرين.
ولو دققنا في تلك القوانين لوجدنا أن حمورابي لم يكن ليقبل أي عذرٍ من أي إنسان اقترف جريمة ويمت بصلة للحكم حيث كان يوقع به أشد العقوبات ليكون عبرة لمن اعتبر، ولكن كانت العقوبات متفاوتة بين طبقات الشعب لنفس الجريمة أو الذنب.
بالرغم من ذلك فهناك من الباحثين من يقول: "بعد الاطلاع على عبقرية حمورابي وقوة قرارته يتبين لنا جلياً انه لو تم إعتمادها لتم السيطرة على العالم ! ولعل أهم ما كان يميز هذه الشريعة هو شعارها " لا يحق للقوي ان يؤذي الضعيف".
وعلى سبيل المقارنة بين ما كان يدور في بابل- العراق- قبل قرابة 3800 عاماً وما يدور اليوم في الدولة العبرية -إسرائيل- لوجدنا أن الجسم الحاكم اليوم برئيسه يحاول أن يُخَلّد من لم يصون الأمانة ولم يحافظ على الشرائع السماوية خلال عمله كمسؤول أو كحاكم ولا حتى على شرائع حمورابي والتي تدرس في معظم كليات الحقوق بالعالم.
فلو نُفِذت أحكام حمورابي على سياسيين وحكام ومسؤولين في جميع مؤسسات الحكم، المركزي منها والمحلي لوجدنا الكثير من الكراسي المصنوعة من جلود مسؤولين سابقين، ولوجدنا الكثير من الوزراء السابقين والرؤساء والمسؤولين يصنعون القهوة والشاي لمن أتوا بعدهم.
لربما، لم أكن لأعود إلى عصر حمورابي لو لم تثور ثائرة الشعب اليهودي في إسرائيل جراء ما سُمِي "الثورة القضائية"!
بالنظر إلى الماضي البعيد، فإنّ حمورابي اختار أن يضع شريعة حاسمة وحازمة بعد أن توسعت مملكته وبعد أن استتب الأمن في حينه وبعد أن استحكم السيطرة، فأراد أن يحافظ على مملكته وأن يحمي مُلكه عن طريق تنظيم العلاقات بواسطة أحكام شديدة ورادعة بنفس الوقت.
ولكن ما يقوم به نتنياهو في هذه الأيام من تغيير في النظام القضائي فإنه يبغي بذلك الحفاظ على شخصِهِ المُدان وعلى أهل بيته الذين لا يستطيعون أن يروا أنفسهم دون النجوم.
بل والأخطر بأنه في صراعه هذا مع الزمن، جنّد داعمين ومؤيدين على شاكلته والذين يرون بأن الدولة العبرية لا تدوم إلا مع هؤلاء المُدانون وتحت إمرتهم.
رأينا كيف تَمَسَّك نتنياهو تَمَسُّك اللافظ أنفاسه الأخيرة بمُدان آخر كآرييه درعي بل وحاول منحه وزارتين بعكس قرار الجهاز القضائي، وتابعنا أيضاً ما تداولته الصحافة الإسرائيلية حول جهود يائير نجل نتنياهو بتقوية المُدان الثالث في هذه الحكومة والذي يشغل منصب وزير الأمن القومي.
فلنحلم معاً بأن شريعة حمورابي قائمة، هل سيكون الوزراء وأعضاء البرلمان المذكورين في مواقع اتخاذ القرارات؟!
في كل حال، هذا صراع عميق ومحفوف بالمخاطر الوجودية لفئة ما، لربما نحن((فلسطينيو الداخل)) سنكون في هذه الحقبة من الزمن من المتفرجين!!!
Photo by Noam Revkin Fenton/Flash90
[email protected]
أضف تعليق