قبل اجتماع أمناء الفصائل والأحزاب الفلسطينية، الخميس الماضي، بساعاتٍ قليلة، يصرّح جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّ الشعب الفلسطيني يحتاج إلى قيادة قادرة على تحقيق حياةٍ أفضل وللتعاطي مع العرض الأميركي في إشارةٍ لـ»صفقة القرن»، وبعد ساعات من صدور بيان مؤتمر الأمناء العامين، دعا مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين لاستبدال القيادة الفلسطينية التي رفضت «صفقة القرن»، باعتبار أن المشكلة تكمن حسب زعمه في أن هذه القيادة الحالية والمرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية تنتهج عملاً ثورياً، بينما هناك جيل جديد من القادة الشباب، يقول أوبراين، «الذين يريدون مستقبلاً رائعاً لأنفسهم جنباً إلى جنب مع أشقائهم العرب وجيرانهم الإسرائيليين».
الهجمة على منظمة التحرير والتحريض على قيادتها من قِبل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وعلى وجه الخصوص إدارة ترامب، ليس بالأمر الجديد، إلا أنّ هذا التصعيد المنظّم والجهد المنسّق من قِبل الإدارة الأميركية الحالية يأتي في سياق «صفقة القرن» من ناحية، وعملية التطبيع العربي مع الاحتلال من ناحية أخرى في ظل إعلان القيادة الفلسطينية عن مواجهة حقيقية لهذه السياقات والهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية تصفيةً نهائية، واتخاذ القيادة الفلسطينية خطواتٍ عملية باتجاه هذه المواجهة، بدءاً من الإعلان عن التحلّل من كافة الاتفاقات مع الاحتلال والولايات المتحدة من ناحية، والحدث الأهم في هذا السياق في ظل هذه المواجهة انعقاد مؤتمر أمناء الفصائل والأحزاب الفلسطينية، خاصة ما نجم عن هذا المؤتمر من قرارات تضمنها بيانه الختامي من تأكيد متجدّد على وحدة التمثيل السياسي الفلسطيني عبر منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، الأمر الذي أغلق الباب تماماً أمام كافة المحاولات الرامية إلى إيجاد بدائلٍ عنها كما يطالب ويحرّض كلٍ من كوشنر وأوبراين أو من يحاولون السطو على القرار الفلسطيني المستقل من قِبل بعض أنظمة التطبيع العربية.
إلا أنّ الإقرار بالمرجعية الوطنية والسياسية الفلسطينية من خلال منظمة التحرير ليس كافياً وحده لمواجهة تداعيات المخاطر المحدقة بالقضية الوطنية، خاصةً في سياق «صفقة القرن» والتطبيع العربي مع الاحتلال. وهذا أيضاً ما توقّف عنده مؤتمر أمناء الفصائل، ذلك أنّ منظمة التحرير باعتبارها الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني بحاجة إلى تطوير وتعزيز مناعتها وقدرتها على مواجهة صعبة وتحدٍ أصعب، ما يفرض تجديد هياكلها بما يكفل المشاركة الكاملة لكل القوى الفلسطينية على اختلاف توجهاتها ومشاربها والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات المصيرية؛ بهدف الحفاظ على الثوابت الوطنية، وللوصول إلى هذه الأهداف تم اتخاذ قرارات محددة بتشكيل لجنتين: لجنة تضم شخصيات وطنية تحظي بثقة الجميع لتقدّم رؤية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولجنة أخرى لقيادة المقاومة الوطنية الشاملة، على أن تقدّم تصوراتهما وتوصياتهما للمجلس المركزي الفلسطيني بعد خمسة أسابيع.
إننا كفلسطينيين شعباً وقيادة أمام امتحانٍ صعب وتحدٍ أصعب على ضوء التجارب الوحدوية السابقة وتعدّد المبادرات والاجتماعات والمؤتمرات التي فشلنا معها في الخروج من النفق المظلم الذي أغلق نفسه على أزماتنا المتشعّبة، نتطلّع بأملٍ كبير وبحذرٍ أكبر كي نشكّل الرأي العام الفلسطيني متزوداً بما تثيره الأخطار الكبيرة التي تتعرّض لها قضيتنا الوطنية، وبشعورٍ أكبر بالمسؤولية لضرورة توفير إرادة حقيقية صادقة وفاعلة لم تتوفّر في السابق من أجل التخلّص من كل العقبات التي حالت دون وضع حدٍ لأزماتنا الداخلية. مع أننا ندرك أنّ هناك خلافات ومنطلقات وسياسات وأيديولوجيات متباينة ومتعارضة إلّا أنّنا ندرك مع ذلك أن ما يُجمِّع يجب أن يتجاوز كل ما يُفرّق. وإذا كان من حق كل حزب أو فصيل أن يتمسّك بمواقفه إلّا أنّ من حق شعبنا عليهم التمسّك بما يكفل وضع كل طاقات شعبنا في المواجهة مع المخاطر المحدقة.
[email protected]
أضف تعليق