مرّ الأول من تموز دون أن يقوم رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة بنيامين نتنياهو، بنزع صاعق قنبلة تفجير الأوضاع في فلسطين المحتلة، بما يعني أنه قد تريث قليلا، بعد أن كان إعلانه السابق بأنه سيقدم مشروع قرار ضم المناطق الفلسطينية المحتلة، وفق خرائط قام بإعدادها مع الطاقم الأميركي الخاص بصفقة ترامب، في الأول من الشهر الحالي، والذي صادف أول من أمس، وذلك بعد ما أحدثته تلك النية من ردود فعل فلسطينية ودولية.
في الأيام الأخيرة تابع المراقبون المواقف الإسرائيلية والأميركية، التي أبدت قدراً ما من الاختلاف حول نسبة الضم، كذلك حول توقيت الإعلان الرسمي، بعد الردود الفلسطينية الرسمية والشعبية، وبعد تتابع المواقف الدولية، خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي ككيان وكدول منفردة، تتقدمها كل من فرنسا، بريطانيا وألمانيا، كذلك بعد الموقف الأردني القوي بالرد بما يمس اتفاقية السلام مع إسرائيل، ليبدأ الحديث عن أن نتنياهو المتسلح باتفاق مع شريكه في الحكومة، بيني غانتس، حول الضم، سيكون بين الإعلان عن ضم ناعم، أي متدرجا، يحاول أن يمتص ردود الفعل خاصة على الأصعدة الثلاثة الفاعلة، وهي الموقف الأردني والموقف الأوروبي ورد الفعل في الشارع الفلسطيني، لكن نتنياهو الذي واجه ضغطا في الاتجاه الآخر، آثر أن يمر الموعد المحدد، دون إعلان محدد، في انتظار تواصل التنسيق مع البيت الأبيض.
عدم إعلان نتنياهو عن ضم كل ما ورد في الخرائط الخاصة به دفعة واحدة، ولا عن جزء منها، أي بالتدريج في ذلك اليوم، لا يعني أن قرار الضم أو نيته قد أزيحا عن طاولة الحكومة الإسرائيلية، لكنه يعني بالمقابل، أنه ليس بإمكان إسرائيل، ومع كل هذا الدعم والإسناد الرسمي الأميركي، أن تفرض ما تشاء، ويعني أن مراهنة إسرائيل على ورقتي القوة في هذا الشأن، أي وجود ترامب في البيت الأبيض، وحالة الانقسام الفلسطيني الراهنة، لم تكن كافية، لتمرير تلك الخطوة، بشكلها الخش، خاصة، فيما كان الإعلان الجزئي يعني، أن تكتفي إسرائيل بضم مستوطنات معاليه أدوميم وغوش عتصيون وأريئيل، التي تضم نحو 80% من المستوطنين، في الضفة الغربية المحتلة، وأن أي إضافة لاحقة تحتاج إلى ظروف مشابهة وإلى صخب آخر، على الأغلب لن يتوفرا فيما هو قادم من الأيام.
أي أن عامل الوقت ما زال حاسما ومهما جدا، في حسابات اليمين الحاكم الإسرائيلي، فمستقبل دونالد ترامب في البيت الأبيض محفوف بالمخاطر، قبل نحو أربعة أشهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية، فيما الإعلان عن نية الضم، دفع طرفي حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني إلى التقارب، خاصة ميدانيا، وهذا هو الأهم، نعني أن توحد فتح و «م ت ف» وحماس في إطار فعاليات مجابهة خطة الضم في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، بات أمرا ممكنا، حتى دون الحاجة إلى إنهاء الانقسام رسميا أو بين جناحي الوطن.
باختصار، لابد من القول إن ما ظهر عليه الموقف الفلسطيني من فاعلية سياسية ودبلوماسية، كذلك من استعداد للتوحد الميداني بما يطلق فعالية المواجهة الشعبية الميدانية، لا بد أن يظل قائما، ليكون سلاحا رادعا، حتى لا يكون كل ما حدث من تطور على الموقف الإسرائيلي، هو التراجع في توقيت الإعلان وحسب.
من الناحية العملية، إسرائيل تحتل القدس والضفة الغربية منذ العام 67، وتخضعهما لقرارات الاحتلال منذ ذلك الوقت، لكن إعلان الضم رسميا، يقطع الطريق على التفاوض من أجل إنهاء الاحتلال، ويقطع الطريق على إقامة الدولة المستقلة، والتي قبل بها الشعب الفلسطيني كحل وسط تاريخي، وفق قاعدة الأرض مقابل السلام، وكما كان من شأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس وقف الاتصال بين القيادة الفلسطينية وواشنطن، فإن إعلان ضم أي أراضٍ فلسطينية محتلة، من شأنه أن يوقف التفاوض، وفعلا ما أن أعلنت إسرائيل عن الأول من تموز كموعد لإعلان قرار الضم، حتى أعلنت القيادة الفلسطينية تحللها من الالتزام بكل الاتفاقيات مع إسرائيل والتوقف عن التنسيق الأمني.
بتقديرنا، فإنه رغم خطورة الضم الناعم، أي الذي قد يبدأ بإعلان سريان القانون الإسرائيلي على المستوطنات الثلاث الكبرى، المشار إليها أعلاه، إلا أن الشهية الإسرائيلية تتطلع إلى الأغوار أولا لأكثر من سبب، ثم لتقطيع أوصال الضفة الغربية ثانيا، وهذا يتحقق بضم كل المستوطنات، بما فيها ما تسمى النائية أو العشوائية، لأن ذلك يمنع إقامة دولة فلسطينية ما بين البحر والنهر، متصلة وقابلة للحياة، كما أن ضم الأغوار، إضافة إلى ما يحققه من تفوق أمني إقليمي، فإنه يتيح لإسرائيل وضع اليد على المخزون المائي والمعدني، كذلك على نحو نصف الأرض الزراعية في الضفة الغربية، خاصة أن الكثافة السكانية الفلسطينية فيها محدودة نسبيا.
المهم أن واشنطن التي حاولت أن تظهر أنها على خلاف مع نتنياهو، أو أن هنالك تباينا في وجهات النظر بين أفراد طاقمها، لم تنجح في خداع العالم، بادعائها أن صفقة ترامب هي خطة تسوية، ذلك أن الحديث الإسرائيلي - الأميركي، كله حول بند الضم، ولم يتحدث أحد، خاصة نتنياهو عن طرح صفقة ترامب على الحكومة ومن ثم على الكنيست لقبولها، فكل ما يسعى إليه نتتياهو هو تعزيز مكانته في اليمين وبين أكثر من نصف مليون مستوطن، وهذا ما انعكس بشكل واضح في استطلاعات الرأي الأخيرة.
أي أن ما حاول بعض الأميركيين الإيحاء به من كون التهديد بالضم، ليس أكثر من ضغط على الجانب الفلسطيني، لإجباره على الدخول في حالة التفاوض، ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وتضليل.
مع ذلك فإن نافذة ما للتفاوض قد أشرعت، خاصة وأن الأوروبيين يرون فيها حلا للمعضلة، لكن إسرائيل لن تقبل إلا في حالة وافق الطرف الفلسطيني على أن يكون التفاوض في إطار صفقة ترامب، وهذا مستحيل بالطبع، وما دون ذلك يعني أن يمر الوقت، في صالح الجانب الفلسطيني، الذي قاتل بشكل فعال، أي دون اتخاذ موقف عدمي، فقد قدم ورقة موقف للأوروبيين، تتضمن استعداده للتفاوض ضمن إطار جماعي، وعلى حدود 67، مع ضمانة أمنية في الغور، وهكذا يمكن القول أخيرا، إن المواجهة قد سارت على طريق الفوز بالنقاط، وليس بالضربة القاضية، وإن كانت فلسطين قد كسبت نقطة، فما زال الطريق طويلا وشاقا، وإن كان درء المساوئ في هذه اللحظة مكسبا، فإن تحقيق الأهداف لاحقا يتطلب بعد نظر إستراتيجيا.
[email protected]
أضف تعليق