بسم الله الواحد الاحد الفرد الصمد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق للأبد.

مقدمة:

من الظواهر الديموغرافية التي تشهدُها بعض البلدات العربية ظاهرة اللاجئين المحليين، هذه الفئة السكانية تُعاني في بعض الأحيان ولدى بعض البلدات من تميز مهمش على ثلاثة اصعدة على الأقل؛ على الصعيد السياسة المحلية؛ في هذا المجال قد فُرض عليهم من قبل ما يُسمى السكان المحليّن بنزع حقهم الديموقراطي بترشيح انفسهم لرئاسة السلطة المحلية كونهم يشكلون اقلية او انهم ليسوا من ملح ارض البلد!!! اما على الصعيد الاجتماعي؛ يُتعامل معهم كغرباء وليس لهم الحق ببلدتهم كغيرهم من السكان المحليين وبين تارة وأخرى يُعرفون من قبل السكان المحليين كلاجئين، لا اريد ان اعطي امثلة فكل قارئ يعرف ما المقصود!!! على الصعيد الحيّز الجغرافي؛ في بعض البلدات مازالوا يسكنون في حيّز جُغرافي خاص بهم. في هذه المقالة سوف نخوض بغمر هذه الظاهرة الديموغرافية وتحليل الفكر الاجتماعي.
ولادة المُصطلح الديموغرافي:
عند التحدث عن اللاجئين ألمحليين، يقتصر الكلام على الفئة السكانية التي اضطرت من ترك منشؤها (مكان سكناهم الأصلي) خلال حرب 48 واللجوء الى قرى أخرى قريبة جغرافية او قريبة من حيث القرابة العائلية، اذاً التعريف يقتصر على فترة تاريخية حديثة منذ منتصف القرن العشرين، وكوننا حددنا الفترة التاريخية لا بد من عرض بعض المعلومات عنها لنحيط القارئ عن سيرورتها، حرب 48؛ عبارة عن عدة معارك بين اليهود والعرب استمرت مُنذ قرار تقسيم الأمم المتحدة 181 بتاريخ 29 تشرين ثاني من عام 1947 حتى اتفاقية الهدنة مع الدولة السورية في تموز عام 1949، تُقسم هذه المعارك الى مرحلتين، المرحلة الاولى من 29 تشرين ثاني 1947 حتى 14 أيار "الإعلان عن استقلال دولة إسرائيل" تميّزت هذه المرحلة بمعارك محلية بين القوات اليهودية (المتمثلة بالهاجنا التي أُنشئت عام 1920، ايتسل او الارغون التي انشقت عن الهاجناه عام 1931، شتيرين (ليحي) التي انشقت عن الارغون عام 1940، قوات البلماخ التي أُنشئت عام 1941) مع السكان العرب المحليّن والمتطوعين من الدول العربية التي دخلت البلاد في 9 كانون ثاني من عام 1948، خلال هذه المرحلة وبالتحديد في العاشر من اذار 1948 تم الان على خطة د (תכנית ד) التي تنص على السيطرة على البلدات العربية التي تقع ضمن حدود الدولة اليهودية المقترحة في قرار التقسيم واجلاء سكانها بالكامل، يصف المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابي في كتابة "التطهير العرقي في فلسطين" هذه الخطة على انها سياسية التطهير العرقي في البلاد، اما المرحلة الثانية من الحرب من 15 أيار "دخول الجيوش العربية الى الحرب" حتى تموز من عام 1949 توقيع الهدنة مع اخر دولة عربية، خلال هذه المرحلة دارت عدة معارك بين الجيوش العربية والجيش الدفاع الإسرائيلي ( في أيار من عام 1948 قام دافد بن غريون رئيس الحكومة الإسرائيلية المؤقت بتوحيد جميع القوات العسكرية التي ذُكرت أعلاه تحت غطاء الجيش الدفاع الإسرائيلي צה"ל)، حاول السكان بكل قواهم العودة الى بلداتهم التي تركوها خلال المعارك، الا ان الدولة رفضت ذلك لعدة نقاط ومعايير:
أ‌- موقع استراتيجي/ امني: البلدات التي تم تهجير سكانها ذات موقع استراتيجي أمنى خطير يُهدد امن الدوله اليهودية مثال على تلك القرى التي تتميز بموقع استراتيجي/ امني؛ هوشة، كساير، الدامون والتي تقع ضواحي مدينة شفاعمرو وقرى أخرى مثل السنديانه، ام الزينات وزمارين منطقة الروحه (רמת מנשה) وغيرهم من قرى وبلدات التي تقع على الخط الفاصل بين الدولة العربية واليهودية التي اقرت في قرار التقسيم بتاريخ 29 تشرين ثاني 1947، لهذا تم تدميرها بالكامل.
ب‌- استقطاب القادمين الجدد: بعض البلدات، الاحياء، البيوت العربية تم إسكانها من قبل اليهود القادمين الجدد، ومن البلدات الكاملة التي استُعملت لهذا الهدف؛ المجدل، المجيدل، وفي أيار من عام 1984 تم اسكان بعض الاحياء العربية في المدن العربية بالقادمين الجدد، ففي حيفا تم إسكان كل من؛ وادي النسناس، حليصة وغيرها، وفي مدينة يافا؛ تم إسكان احياء ابو كبير، منشية، نزهة، جبلية. وفي أيلول من عام 1948 تم اسكان قادمين جُدد في بلدات عربية هُجر سكانها بالكلية؛ ففي ضواحي مدينة حيفا؛ بلد الشيخ، حواسه اليوم نيشر، طيره، اما في ضواحي يافا: اللد، الرمله، يهودية اليوم يهود، يازور اليوم אזור، بيت دجن اليوم בית דגן، سكية وكفر عنا اليوم تُعد من ضمن نفوذ بلدة اور يهودا، وفي ربيع من عام 1949 بدأ إسكان القادمين الجُدد في بلدات وقرى الضواحي: الخالصة كريات شمونة، بيسان، يفنة، عقير- קרית עקרון، مجدل – اشكلون، بئر السبع. تشير الوثائق التاريخية انه تم إسكان 130،000 من القادمين الجدد بالأحياء والبلدات العربية.
ت‌- إسكان اليهود المحليين: عملية استغلال البلدات والاحياء العربية لم تقتصر على إسكان القادمين الجُد فحسب، بل ان بعض السكان اليهود المحليين الذين خرجوا من احيائهم خلال الحرب تم اسكانهم في احياء عربية مثلما حصل في القدس الغربية عندما تم إسكان اليهود الذين خرجوا من بيوتهم في؛ الطور، طلبية، قطمون.
ث‌- قانون أملاك الغائبين: في عام 1951 تم سَن قانون أملاك الغائبين، احدى بنود هذا القانون تشير الى ان كل من ترك بلدته وهاجر الى خارج حدود الدولية اليهودية من ضمنها الاراضي التي ما زالت تحت الجيوش العربية مثل: الجليل الذي تحول فيما بعد ضمن حدود دولة إسرائيل، تتحول املاكهم كاملاك غائبين للدولة.
التوزيع الجغرافي:
بعد عرض المعايير التي اولدت مصطلح اللاجئين المحليين سوف نتطرق الى بعض البلدات التي احتضنت لاجئين محليين " نشدد على بعض البلدات لان مساحة المقالة غير متاحة للطرق لكل البلدات"، في الجليل الأعلى الغربي وصل سكان الكويكبات، البروه، عمقا الى قرى المحيطة بها منها؛ جديدة- مكر، أبو سنان، كفر ياسيف وغيرها، اما في الجليل الأسفل الغربي؛ وصل سكان الدامون، ميعار، هوشة، كساير الى قرى وبلدات مختلفة قريبة منها؛ شفاعمرو، طمرة. اما في الجليل الأسفل الأوسط فوصل قسم كبير من سكان صفورية الى الناصرة وقد اقُيم على الحيّز الجغرافي للمدينة حي جديد سُمي بحي 'صفافرة'، وبعض منهم وصلوا الى الرينة، ومن سكان القرى التي وصل سكانها الى الناصرة ايضاً قريتي معلول والمجيدل الذين استوطنوا في الاحياء الجنوبية؛ بير الأمير، حي الفاخورة، جبل الدولة، وقد وصل قسم من سكان الشجرة الى طرعان والناصرة.
الفكر الاجتماعي:
بعد التعرف على المصطلح من الجانب الديموغرافي والجغرافي، سوف نخوض بغمار الفكر الاجتماعي الذي يتداول بين السكان، فقد اثبتت الجغرافية-التاريخية ان هذه الفئة تُعاني الامريين، من جهة تركت منشؤها، ومن جهة أخرى تعاني من التمييز في بلدة الهدف التي انتقلت اليها، لهذا يصبو هذا المقال الى طرح بعض الأمثلة من مجال الجغرافية- التاريخية التي تقزم من هذه الظاهرة الاجتماعية وتُهزم الفكر الاجتماعي الظالم في هذا المجال:
أ‌- الديموغرافية-التاريخية: لو تتبعنا عبر التاريخ، لوجدنا ان حركة السكان وانتقالهم من مكان لأخر على سطح الأرض موجودة منذ القدم، بمعنى كلنا لاجئين على الأرض، الأمثلة كثيرة ومتعددة الا انني اكتفي بمثاليين من خيار الناس؛ سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط عليهما السلام كانا في العراق ثم هاجرا الى اكناف بيت المقدس من اجل اعلاء كلمة الله، لم يُطلق عليهم اسم لاجئين بل ان سكان الأرض كرموهم وتم اطلاق اسم الخليل على احدى المدن تكريماً لسيدنا إبراهيم، وقد اُطلق اسم بحيرة لوط على البحر الميت تكريماً لسيدنا لوط، مثال اخر هو سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام وهو افضل من داست قدماه تراب الأرض هاجر عام 622م من مكة مسقط راسه الى المدينة، وفي اعقاب ذلك تحولت من يثرب "كثرة الثأر" الى المدينة المنورة بوجود النبي علية الصلاة والسلام، صحيح هذه امثلة من طراز ثقيل كونها احتضنت انبياء، الا انها قد تكون الدواء الديني لمرض اجتماعي.
ب‌- تعريف الهوية: قد اتفق علماء علم الاجتماع وعلم السياسة على ان تحديد الهوية يكون من قبل الانسان نفسه، بمعنى لا يحق لأي فئة ان تصرح وتمنح تعريفات لفئة أخرى وفق الميول السياسية، وتبقى الحرية الكاملة متاحة للفئة نفسها استسقاء المصطلح التي يلائمها ويلائم عقائدها الاجتماعية ولا يحق لاحد ان يتبنى ذلك.
للختام:
قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لا فرق بين عربي ولا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى"، هذا الحديث يُعد جواباً شافياً للسؤال الاجتماعي الذي عالجه المقال، بقي ان نشير الى ان البشرية خُلقت متساوية كأسنان المشط ولا فضل احد على الاخر الا بما يقدمه لنمو مجتمعة وحضارته، اما من حيث الجغرافية التاريخية فقد بيّنا ان هذه الفئة "اللاجئين" المحليين لم تختار هذا الوضع من طيب خاترها.
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]