في الصفحة (13) من مشروع "صفقة القرن"، وضمن جميع بنود عمليات الضم وإقامة الدولة الفلسطينية بشروط، يتطرق الرئيس الأمريكي، بشكل يكاد يكون مرتجلاً، الى تصور عملية الترانسفير، مضيفاً الى ذلك تبريراً يفترض ان يسبب الصدمة لكل يهودي مقيم في الولايات المتحدة. ان ما يدعو الى الذهول حقاً ان مهندسي الصفقة الأربعة: السفير فريدمان، والصهر كوشنر، والمبعوثين غرينبلاط وبيركوفتش – هم جميعاً يهود امريكيون.
ترامب يقترح خياراً على شاكلة تبادل الأراضي بحيث يتم نقل وادي عارة (المثلث الشمالي) ومعه المثلث الجنوبي – حتى كفرقاسم، مع سكان جميع هذه المناطق، الى الدولة الفلسطينية (بينما وفقاً للمشروع – لا أحد يخلي منزله طبعاً. ترامب لا يقترح ترانسفير فردياً بقذف مواطن من منزله، بل يقترح ترانسفير جماعياً، يقذف مواطنين من دولتهم.
وهنا يأتي التبرير: هم أصلاً يعرّفون أنفسهم بأنهم فلسطينيون، فلينتقلون إذن للعيش في فلسطين. هكذا بالضبط. وبحسب هذا المنطق يتوجب على معدّي المشروع الأربعة ان يتركوا مناصبهم في الدولة التي هم مواطنون فيها، وان يهاجروا – بل ان يقْدِموا، عفواً – الى دولتهم الحقيقية، التي هي دولة إسرائيل، المعرّفة في مشروع ترامب على انها الدولة اليهودية.
كل واحد من معدّي المشروع، مثلهم مثل الغالبية الساحقة من يهود الولايات المتحدة (الذين يشكلون قرابة 40% من الشعب اليهودي) يعرّف نفسه بأنه "يهودي امريكي". وأين يفترض ان يعيش من يعرّف نفسه بأنه يهودي؟ طبعاً في الدولة اليهودية ... اعتقد ان هذا الامر يبدو في نظر الكثيرين منا أشبه ما يكون باللاسامية!
لكن هذا بالضبط هو المنطق الكامن في الصفقة فيما يتعلق بالعرب مواطني المثلث. اكثر من 70% من العرب في إسرائيل يعرّفون أنفسهم كما يلي: "فلسطينيون مواطنون في إسرائيل". انهم يعرّفون انفسهم كجزء من الشعب الفلسطيني، ممن يحملون الهوية الإسرائيلية. 90% منهم لا يريدون العيس في دولة فلسطين، بل يريدون العيش في دولة إسرائيل. صحيح، انهم حقاً لا يقبلون التمييز ضدهم، لا قانون القومية الذي ينص على اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية في قانون الأساس، ولا التمييز بميزانياتهم ضمن ميزانية الدولة. انهم يطالبون بالمساواة. تماماً مثلما تعهدت إسرائيل في وثيقة الاستقلال، ولم تطبق هذا الأمر أبداً.
ان الرسالة التي يوجهها المجتمع العربي الى دولة إسرائيل هي : "نحن مواطنون أصلانيون. هنا ولدنا وهنا ولد آباؤنا وعشرات الأجيال من قبلنا. هذا بيتنا. هكذا وهكذا سيبقى دوماً. ليست لدينا توقعات، ومعظمنا لا يرغب في ان يختفي اليهود ويرحلو من هنا، إسرائيل هي دولتنا ونحن نرغب بالعيش كمواطنين متساوين. وعند الحديث عن الحقوق المتساوية، فان المقصود ايضاً الحقوق الفردية وكذلك الحقوق الجماعية، تماماً مثل الحقوق الممنوحة لأية أقلية قومية معترف بها في دول العالم.
وما هي رسالة مشروع ترامب؟ انتم تسمون أنفسكم فلسطينيين – اذهبوا الى فلسطين، اتركوا ارضكم، واتركوا منزلكم، واتركوا جذوركم، واتركوا الروابط العديدة التي انشأتموها مع جرانكم واصدقائكم اليهود – واذهبوا الى فلسطين.
والآن فّكروا ملياً بيهود الولايات المتحدة – مئة عام من البيت اليهودي، التعدّدي المرتبط بيهوديته اكثر من الكثير جداً من اليهود المقيمين في إسرائيل. تخيّلوا ان يأتي الحكومة الامريكية وتقول لهم انتم تعّرفون أنفسكم بانكم يهود – اذهبوا الى الدولة اليهودية (إسرائيل). ناهيك عن حوالي مليون إسرائيل ممن هاجروا ("هبطوا") الى الولايات المتحدة من إسرائيل، وهؤلاء ("الوقحون") يصفون أنفسهم بأنهم "إسرائيليون" أو "إسرائيليون امريكيون". هيا الى اليت، الى دولتكم إسرائيل!
هذا لن يحدث في أمريكا لسببين: الأول هو ان الديمقراطية الامريكية أقوى واكثر استقراراً من الديمقراطية المتعثرة في إسرائيل. الدستور الامريكي يحفظ حقوق الانسان ويحمي مواطنيه، جميعاً، دون تمييز في الجنس، العرق، الدين، والقومية (تماماً مثلما ورد عندنا ايضاً في وثيقة الاستقلال).
والسبب الثاني هو ان لدى امريكا شعوراً طيباً تجاه يهودها وتجاه الاسرائيليين الذين بنوا لانفسهم بيتاً فيها . هذا أمر جيد لاقتصادها، ولثقافتها، ولشعبها. تماماً مثلما فهمت امريكا بخصوص تنوّع سكانها - فاذا نحن في اسرائيل وفرنا الفرصة، وتعرفنا على المجتمع العربي بعمق، ودعمناها حيثما يجب - فسندرك أيضاً ان هذا المجتمع جيد لاسرائيل، فمنهم اليوم أطباؤنا، ووصيادلتنا، وهم يشكلون نصف منتخب اسرائيل بكرة القدم، وهو يثرون ثقافتنا، وموسيقانا، وطعامنا الذي نأكاله، وهم الذين يبنون المنازل ويعبّدون الطرقات - هم في كل موقع تقريباً في الاقتصاد الاسرائيلي. ولذا فانفكرة الترانسفير الجماعي للمواطنين العرب في اسرائيل - تلحق الضرر بنا كمجتمع يهودي.
[email protected]
أضف تعليق