جريمة التطهير العرقي في حي واد الحمص ببلدة صور باهر بالقدس المحتلة التي طالت عشرات الشقق السكنية لم تنته بعد، لأن ما تسمى المحكمة العليا الإسرائيلية أقرت، أيضاً هدم ستة مبان مأهولة في الحي، والتنفيذ بيد جيش الاحتلال.
الجريمة الإسرائيلية الأخيرة لها دلائل كثيرة أخطرها قياس ردود الفعل التي ستكون دليلاً إرشادياً لجرائم التطهير العرقي المقبلة في الأراضي الفلسطينية كلها بصرف النظر عن تصنيفاتها في اتفاق أوسلو المشؤوم (أ.ب.ج) خاصة أننا كنا نعتقد واهمين أن الأراضي المصنفة (أ) و(ب) محمية بموجب اتفاق أوسلو وأن تراخيص البناء فيها من مسؤولية السلطة الوطنية فقط، ليتبين أن سلطات الاحتلال أصبحت تتعامل مع كل الاتفاقات وكأنها مجرد حبر على ورق.
ردود الفعل على جريمة التطهير العرقي لم تخرج عن إطار الإدانة والاستنكار وتوصيف الجريمة، دون الارتقاء لفعل حقيقي على الأرض، يكون بمثابة رسالة إلى سلطات الاحتلال، حتى تفكر ملياً قبل أن تقدم على جريمة مماثلة.
الاستثناء في ردود الفعل الفلسطينية والعربية والعالمية - التي لم تكن أكثر من ظواهر صوتية تتلاشى في فضاء القوة الغاشمة بعد وقت قصير - هو توجه السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن الدولي ومحاولة الكويت وإندونيسيا وجنوب إفريقيا الخروج ببيان يدين الجريمة الإسرائيلية لكن محاولات الإدانة فشلت أمام الرفض الأميركي القاطع على الرغم من التعديلات التي أدخلت على نص البيان الأول، ما يعنى أنه حتى إدانة جريمة تطهير عرقي أصبحت غير ممكنة في إطار مجلس أممي هدفه الأساس الحفاظ على السلم والأمن للبشر.
بعد ذلك جاء اجتماع القيادة أول من أمس في محاولة للخروج من إطار الردود العاطفية إلى موقف عملي، وتوج بقرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وتشكيل لجنة للتنفيذ. لكن لم يوضح القرار ما هي هذه الاتفاقات هل هي اقتصادية أم سياسية أم أمنية أم ماذا؟ ولماذا لم يشمل القرار الخروج من اتفاق أوسلو بشكل كامل والانفصال نهائياً عن دولة الاحتلال، وإعلان حدود الدولة الفلسطينية المقبولة دولياً بصرف النظر عن الموقف الأميركي واعتبار المستوطنات جزءاً مغتصباً من أرض فلسطين.
منذ أمس ووسائل التواصل الاجتماعي تظهر تعليقات متباينة حول الاتفاقات وماهيتها؟ ويتساءل البعض هل من الممكن حقاً وقف العمل بالاتفاقات بما يؤلم الاحتلال؟ وهناك من يتساءل إن كان التنسيق الأمني جزءاً من هذه الاتفاقات، في ظل تصريحات غير مؤكدة لمسؤولين يقولون إن التنسيق الأمني لن يكون مشمولاً بهذه الإجراءات.
وبعيداً عن تعدد الآراء الفلسطينية من وقف العمل بالاتفاقات فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هذه الجريمة هي الأخطر في مجالها كونها المرة الأولى التي تهدم فيها قوات الاحتلال حياً بأكمله بعد إقدامها على جريمة هدم حي المغاربة المجاور للمسجد الأقصى مباشرةً بعد احتلالها القدس في العام 1967.
وهنا لا بد من التحذير من أن من يهدم حياً بأكمله ويشرد سكانه يستطيع أن يهدم أحياء وحتى قرى بأكملها والحجج دائماً جاهزة لدى دولة الاحتلال. فقد يكون هذا الهدم مقدمة لهدم قرية الخان الأحمر التي صمدت في وجه قرارات الاحتلال العنصرية رغم أن هناك أمراً قضائياً يعطي جيش الاحتلال الضوء الأخضر لعملية الهدم التي تأجلت إلى منتصف كانون الأول المقبل.
وبناء على السيناريو الذي حصل في واد الحمص الذي يشمل هدم ما تبقى من بنايات الحي فإن دولة الأبرتهايد ستقوم بمحاكاة السيناريو نفسه في الخان الأحمر، وربما في مناطق أخرى غير آبهة بردود فعل ستظل مجرد كلمات تتطاير في فضاء التنديد والاستنكار دون أن يكون هناك إجراء عقابي على المستوى الدولي أو حتى فلسطينياً ليكون درساً للاحتلال.
ملاحظة أخرى، وهي أن قادة الاحتلال استخدموا تقريباً الحجة نفسها وهي أن الهدم جاء على قاعدة أمنية بمعنى أن هذه المنازل تؤثر أمنياً على المستوطنين وجيش الاحتلال بحجة قربها من جدار الفصل العنصري، وبناء عليه، ما الذي سيمنع دولة الاحتلال المارقة من أن تهدم أحياء ومنازل قريبة من المستوطنات أو أن تهدم منازل بعد أن تمتد المستوطنات إليها، وتصبح المنازل الفلسطينية هذه الحال خطراً على المستوطنين.
نعود لنكرر، ما لم تكن هناك إرادة فلسطينية قوية وردود فعل على الأرض فإن سياسة التطهير العرقي والهدم ستظل سيد الموقف، ولهذا وجب الاستعداد بجدية أكبر حتى لا يتكرر السيناريو بعد أشهر في الخان الأحمر.
[email protected]
أضف تعليق