"حرب إسرائيلية واسعة على قطاع غزة ستكون الخيار الأخير، إلاّ أن تحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع هي مصلحة إسرائيلية، والبداية تكمن في وقف اطلاق النار والمسيرات السلمية في المرحلة الأولى"، هذا ما قاله وزير الاستيطان عضو الكابينيت الإسرائيلي يوآف غالانت تعليقاً على ما يجري من مباحثات بين حماس وإسرائيل في اطار الجهود المصرية للتوصل إلى تخفيف حدة التوتر على خطوط التماس في قطاع غزة. يقول غالانت: "وقف اطلاق النار" مع أن النار تنطلق من الجيش الإسرائيلي لتقتل وتغتال نشطاء المسيرة السلمية على خطوط التماس، وليس هناك اطلاق نار متبادل من الناحية الفعلية، خاصة في الأيام الأخيرة وإثر موجة اطلاق الصواريخ من القطاع، وبمراجعة البيانات والتصريحات الأخيرة من قبل مختلف الأطراف، لاحظنا أن مصطلح "تهدئة" كان يمرر عَبر هذه البيانات من قبل حركة حماس والفصائل الفلسطينية وإسرائيل، الجانب المصري عَبر جولات وفد المخابرات، تحدث عن تخفيف حدة التوتر لتجنب حرب جديدة على قطاع غزة، وتحسين ظروف المعيشة على المستوى الإنساني في قطاع غزة عَبر مساعدات دولية. من الواضح هنا أن الجانب المصري بات أكثر حرصاً على المضيّ قدماً بملف المصالحة كضرورة أولية، وان الحديث عن تهدئة بات مؤجلاً إلى حين التوصل إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية لكي تحظى أية اتفاقات محتملة حولها بموافقة الشرعية الفلسطينية، لذلك يجري الحديث عن ضرورة العودة إلى جوهر انطلاقة "مسيرات العودة الكبرى" باعتبارها سلمية وشعبية، الجمعة الماضية كانت تأكيداً على عودة شعار العودة إلى المسيرات الشعبية على تخوم الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، بهدف استثمار الجهد المصري لتخفيف حدة التوتر ومنع اندلاع حرب جديدة وتوفير حلول إنسانية للوضع المتأزم في قطاع غزة، ليس هناك أي حديث عن التهدئة إلاّ في اطار "مرحلة لاحقة" تعقب بالتأكيد التوصل إلى المصالحة المنشودة.
بادرت إسرائيل، إلى توسيع مساحة الصيد في بحر قطاع غزة، كما سمحت بإدخال المحروقات لمولدات الكهرباء في القطاع، مع وعود بإدخال الأموال القطرية لدفع رواتب موظفي قطاع غزة التابعين لحركة حماس، إلاّ أن الدولة العبرية تقول عن هذه الإجراءات باعتبارها تحسينات ولا تستخدم "التهدئة" إلاّ في نطاق ضيق له علاقة بتكرار المصطلح أكثر من أن يعبر عن حقيقة التفاهمات حول هذه المرحلة التي قد يعقبها، إثر عدة اختبارات، عملية تهدئة حقيقية في مرحلة لاحقة كما أسلفنا، إسرائيل تريد لهذه الاختبارات أن تستمر، ولا بد هنا من الإشارة إلى غياب الطائرات والبالونات الورقية الحارقة والاطارات المشتعلة في مسيرات الجمعة الماضية، إسرائيل تريد أن يستمر هذا الوضع إلى أن يستقر، ولا مانع لديها، وفقاً لتصريحات صحافية، من أن تبقى مسيرات العودة بعيدة بحوالي 300 متر عن خطوط التماس وفقاً لتفاهمات 2014، علماً أن إسرائيل لا تعترف بأي اتفاق بهذا الشأن وتقول إن هذه التفاهمات هي مصرية ـ فلسطينية. وبصرف النظر عن هذه الأقوال، فإن التفاهمات الجديدة، في مرحلتها الأولى على الأقل، لا تتحدث عن ممر مائي أو ميناء أو مطار، وعلى الأغلب فإن هذه الخطوات المتعلقة بكسر الحصار عملياً، ستكون في اطار تفاهمات المرحلة الثانية والمرتبطة من الجانب الإسرائيلي بملف الأسرى بالدرجة الأولى.
حسب ما تسرّب من القمة الفلسطينية ـ المصرية يوم أمس، في كفر الشيخ، فإن الجهد الأساسي المصري سينصب على أولوية التوصل إلى مصالحة حقيقية فاعلة، دون أن يتعارض ذلك مع الجهود المصرية لدرء حرب إسرائيلية جديدة والتغلب على الظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة في قطاع غزة.
إن استمرار مسيرات العودة الكبرى على خطوط التماس مع العدو الإسرائيلي، ضرورة تفرضها الحقوق التي يجسدها القانون الدولي للشعب المحتل، وهي جزء هام من مسيرة النضال الوطني الفلسطيني. والحفاظ على سلميتها وشعبيتها بعيداً عن الاستثمار الفئوي والفصائلي، يجنبنا خطر الانزلاق إلى الهدف الإسرائيلي بعسكرتها لكي يتوفر للدولة العبرية مبررات لإراقة دماء أطفالنا وشبابنا. على مسيرات العودة الاستمرار كما كانت عليه في الجمعة الأخيرة، وكما بدأت في الجمعة الأولى، ليس حقناً للدماء فقط، ولكن لأن في ذلك تحقيقاً للهدف الأساسي الذي انطلقت في الأساس من أجله!
[email protected]
أضف تعليق