دعا عدد من المرشحين للرئاسة في الإنتخابات القريبة للسلطات المحلية إلى إنتخابات حضارية، راقية وديمقراطية، لا يعكر صفوها معكر ولا ينغص فيها أحد على أحد، إنتخابات يتقبل فيها الآخر المختلف عنه كما يفترض في مجتمع متطور...متقدم، تقبلًا قائمًا على التقدير والإحترام عملًا بالقول الخالد: أحب لغيرك ما تحب لنفسك.
الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها عدد غير قليل من المرشحين للإنتخابات الرئاسية في هذه السلطة أو تلك إلى مثل هذه الدعوة، فقبل كل إنتخابات ومع إرتفاع وتيرة البعض، إعتدنا على سماع مثل هذه الدعوة الرائعة، إلا أن ما يحصل في العادة خلال إجراء الإنتخابات بصورة عامة يتعارض ويكاد يتناقض مع هذه الدعوة، فنرى التوترات تنتشر بين هؤلاء المؤيدين وأولئك ممن يختلفون عنهم في التأييد والرأي، حتى أن الكثيرين منا باتوا والحالة هذه يتحسبون للفترة التي تسبق إجراء الإنتخابات لِما قد تؤل إليه خلالها الأحوال من أوضاع خلافية وأكاد أقول عنفية بين أبناء البلد الواحد وربما الحي الواحد.
السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هكذا وضع هو: لماذا نريدها إنتخابات حضارية وديمقراطية تليق بنا وبمجتمعنا الآخذ في التقدم والتطور رغم ما يعتوره من مظاهر سلبية قد يكون أبرزها ظاهرة العنف، وكيف نريدها إنتخابات حضارية وديمقراطية؟
في الإجابة عن السؤال الأول كيف؟، نقول بتقبلنا للآخر بالضبط كما نريد منه أن يتقبلنا، فلا ننتقص من قيمته ومن قيمة ما يطرحه من رؤى وآراء تختلف قليلًا أو كثيرًا عما نطرحه نحن، وبإعلائنا من قيمة الحوار الديمقراطي بيننا وبينه، إننا عندما نرقى إلى هذا المستوى من تقبل الآخر وإحترامه أيضًا نكون قد إقتربنا خطوة من الإنتخابات الحضارية، ونحن قد نقترب خطوة أُخرى عندما نرجو لغيرنا مثل ما نرجوه لسوانا تاركين القرار للناخب الكريم ومتقبلين بالتالي لإرادته المقررة في نهاية الأمر.
أما في الإجابة عن السؤال لماذا نريدها إنتخابات حضارية وديمقراطية، فإننا نقول، مهما إختلفت بنا السبل ومهما باعدت بيننا الرؤى والأفكار، نبقى أهلًا وإخوانًا وأبناءَ بلدٍ واحد ويبقى هدفُنا الأسمى هو خدمة بلدتنا أو مدينتنا، تقدمها وإزدهارها، صحيح أننا نعيش في زمن بالكاد يفهم فيه الواحد على الآخر إلا أن هذا لا يعني أن نضيع البوصلة وأن نفقد الإتجاه وأن نتحول إلى "الأُخوة الأعداء" على حد تعبير الكاتب اليوناني البارز نيقوس كازنتزاكي صاحب رواية "زوربا" ومذكرات "خطاب إلى الجريكو"، لقد قيل في ذروة إندلاع الثورة الفرنسية الخالدة، هذه الثورة التي فتحت أبواب الحرية الآخاء والمساوة في العالم، إننا قد نختلف في الرأي، إلا أن الواحد منا يفترض أن يكون على إستعداد لأن يدفع حياته ثمنًا لحرية خصمه في قول رأيه!!
من هذا المنطلق، أُسجل فيما يلي عددًا من الملاحظات لكي تكون الإنتخابات الوشيكة حضارية وديمقراطية:
1-علينا أن نستعد تمام الإستعداد لتحقيق ما نصبو إليه وما نريده من الإنتخابات، ولعل أول ما يُطلب منا في مثل هكذا حالة هو أن نستعد تمام الإستعداد عملًا بالقول الذي لا نتردد في ترداده وهو: أعدوا لها ما إستطعتم، إن الإستعداد للإنتخابات وتحقيق حلمنا في إنجاز ما نصبو إليه يُفترض أن يقوم على أرض صُلبة كما يُفترض أن يقوم على واقع ملموس وليس على وهم، عندها سيكون بإمكان مؤيدينا أن يعملوا إلى جانبنا من أجل تحقيق ما نود إنجازه دون تشنج أو توتر أو تعكير مرفوض للأجواء.
2-يُطلب من المؤيدين من أيٍ كان من الأطراف المختلفة، ألا ينسوا ولو للحظة أنهم أبناء بلد واحد، وأن سمعة بلدهم وشرفه بين أيديهم، فإذا ما إختلفوا، إختلفوا إختلاف الإخوان الذين يوجد بينهم الكثير مما يجمع والقليل مما يفرق، وعليه نقول أنه من الحق المشروع لكل الأطراف الإنتخابية المتنافسة أن تبذل كل ما بإمكانها من أجل تحقيق ما تريد كسبه في المنافسة الإنتخابية شريطة أن يبقى هذا الحق ضمن المنطق والمقبول وإحترام إبن البلد لنظيره.
3-لقد إعتدنا في فترات إنتخابية سابقة، على أن تبلغ التوترات الإنتخابية ذروتها بعد الإعلان عن النتائج الأخيرة للإنتخابات، كما إعتدنا على ألا يتقبل بعض المؤيدين النتيجة التي أسفرت عنها الإنتخابات، ونرجو ألا نواصل إعتيادنا هذا في الإنتخابات القريبة، وحتى لا نعتاد على مثل هكذا توترات لا يستفيد منها أحد ولا تصب في مصلحة مجتمعنا، علينا ألا ننسى أن نتيجة الإنتخابات وفوز هذا المرشح دونا عن سواه من المرشحين ما هي ألا نتيجة جهد دائب وصل الليلَ بالنهار ليحقق ما أراده من إنجاز، كما يفترض فينا جميعًا أن نتقبل النتيجة التي نطقت بها صناديق الإقتراع، بل أننا نقترح على المرشح أو المرشحين الخاسرين أن يتقدموا بالتهنئة للفائزين من بينهم تقبلًا للنتيجة وكبحًا للخلاف بين المؤيدين من كلا الطرفين.
هكذا، وهكذا فقط يمكننا أن ندير منافسات إنتخابية ناجحة، راقية هادئة بعيدة كل البعد عن العصبية والعنف، خالية من أجواء الإستقطاب والتوتر، تتجلى فيها معاني التسامح وقبول الآخر، تحتوي الجميع دون إستثناء ومثال يحتذى به، تقوم على مقارعة الحجة بالحجة ومواجهة الذريعة بالذريعة، منافسات ترقى بمجتمعنا وأبنائه إلى ما نرنو إليه ونصبو من إنتخابات حضارية وديمقراطية فعلًا...لا قولًا فحسب.
[email protected]
أضف تعليق