يحكى أن أحدهم اشترى فيلاً صغيرًا وقام بوضع سلسلة حديدية حول قدمِه لتقييدِ
حركته، ومع أيِّ محاولة للتقدُّمِ إلى الأمام تجذِبه تلك السلسلة للخلف، لقد كان عاجزًا عن
كسرِها لصِغَرِ سنِّه وضعفِه. كبِرَ الفيل وأصبح أكثر ضخامة، وكلما كبِر وسَّعَ له صاحبُه
السلسلةَ حتى تتناسب مع حجمِ قدمِه، وتمر الأيام والفيلُ يكبَرُ والرَّجلُ يوسع السلسلةَ
أكثرَ فأكثر، والفيل يزدادُ إيمانًا أنه لا يستطيعُ كسرَها، وبعد سنوات عدة مات الفيل وهو
أسيرٌ لتلك السِّلسلة وفات عليه أنه بضربةٍ واحدةٍ من قدمِه كان يستطيع كسْرَ هذه
السلسلةِ البغيضةِ التي قيَّدته طَوال حياتِه ولكنَّه للأسف لَم يحاول.
إنَّ كثيرًا منَّا يشبه هذا الفيل فما أن يحاولَ مرة أو مرتين ويفشل إلا ويصيبُه يأسٌ يعش
معه سنوات عديدة حتى لو تغيَّرت الظُّروف وزالت المعوِّقات لأنه ببساطة لا يزال يتذكَّر
مرارة الهزيمة السابقة التي تمنعُه من مجرَّد التفكيرِ في محاولة ثانية.
تعد ظاهرة الفشل الدراسي ذات بعد انساني عالمي إذ لا يخلو أي نظام تربوي منها، بيد
أن حجم الظاهرة ووتيرتها يختلف من بلد لآخر، وتقاس سلبيات هذه الظاهرة بقيمة
الخسارات التربوية الناجمة عنها.
لقد حددت المقاربات التربوية دور المدرسة بمهمتين: تربوية تؤهل الطالب ليكون مواطناً
صالحاً، وتعليمية توفر له زاداً علمياً، وأيّ تقصير في أي منها يؤدي إلى ظهور الملامح
الأولى للفشل المدرسي، فإذا لم ينجح الطالب في التعلم أو تعلم بصعوبة مقارنة بزملائه
الآخرين، أو لم يستطع التأقلم مع مجموعته والتكيف مع محيطه بسبب اختلال في
تصرفاته واضطراب في علاقاته تحدث المعلمون والمعنيون بالأمر عن الفشل الدراسي
وكأنه قدر محتوم. إنّ الرؤية الواضحة والتخطيط الجيد وتضافر جهود الجميع كفيل
بتجاوز هذا الحاجز الذي يحول دون نجاح الكثيرين من الطلبة، كما أن توجيه أصابع الاتهام
إلى المدرسة وحدها ينمّ عن قصور معرفي بهذا الموضوع، فلا يعقل أن تكون المدرسة
وحدها صانعة لهذا الطالب الفاشل أو الناجح على حد سواء، الأطراف كثيرة ومتشعبة
ومحاولة التقرب منها لمعرفتها جيدا عملية صعبة وتحتاج الى الكثير من البحث
والتنقيب.
الفشل الدراسي هو حالة ناجمة عن تراكم التعثرات الدراسية لدى الطالب أثناء التحصيل
الدراسي في مادة أو مجموعة من المواد الدراسة وغالبا ما يكون هذا الطالب عرضة
للتكرار أو الرسوب والانقطاع عن الدراسة ويتجلى الضعف الدراسي في عدة مظاهر يمكن
ملاحظتها عند الطالب أثناء تفاعله مع عوامل عدة كصعوبة الفهم أو ضعف في عملية
القراءة والكتابة أو غياب المشاركة داخل الصف أو الفتور وعدم الاهتمام بالدراسة مما
ينعكس سلبا على نتائجه الدراسية.
هنالك مجموعة من الأسباب التي تؤدي الى الفشل الدراسي منها:
ا
يبعد الطالب عن الدراسة ويحول دون التحضير الجيد والتسميع المتكرر بل ويزيد منأسباب
شخصية؛ كعدم القناعة بأهمية التحصيل الدراسي أو الانشغال بموضوع معين
غيابه المتكرر وهدره للوقت بدلاً عن تنظيمه واستثماره، إضافة إلى بعض الأسباب
والسمات الشخصية التي تتعلق بالقدرات العقلية والذهنية التي تحتاج لرعاية خاصة.
والتي قد تفضي إلى سوء المعاملة والانفصال أو الطلاق، والمحيط العام غير المحفز علىأسباب
أسرية: كالمشكلات والخلافات الأسرية المتكررة والمستمرة على مرأى من الأبناء
النجاح والتفوق الذي يحيط بالطالب وعدم مبالاة الأسرة بمتابعة الأبناء دراسًيا، وكذلك
التمييز بينهم الأمر الذي يتسبب لهم بالاغتراب النفسي ومن ثم الشعور بالفشل
الدراسي، ويضاف لما سبق الدخل المنخفض للأسرة، والمستوى الاجتماعي والثقافي
للوالدين.
لخصائص المرحلة العمرية التي يدرسونها وكذلك الأساليب والاستراتيجيات المستخدمةأسباب
مدرسية: تتعلق بالأصدقاء كرفقاء السوء، وبالمعلمين وطبيعة تفهمهم
في التدريس، ولجوء الطلبة الى الغش في الاختبارات التحصيلية للنجاح بأسرع وأسهل
الطرق الأمر الذي يشيع في أنفسهم عدم الاهتمام والاكتراث بالدراسة، والازدحام الشديد
داخل الصوف أو القاعات الدرسية الأمر الذي لا يساعد الطلاب على التركيز والفهم مما
يؤدي في النهاية إلى الفشل الدراسي، وكذلك ضعف التواصل ما بين المدرسة والأسرة
من جهة وبين الطالب وبين معلميه أو أساتذته من جهة أخرى .
إن للفشل الدراسي آثاراً نفسية واجتماعية على الطلبة، فالطالب الذي يفشل في تحقيق
النجاح يشعر بالكآبة والحزن على نفسه، ويحتاج إلى المزيد من الدعم والتشجيع
الاجتماعي لتجاوز هذه الحالة التي قد تضعف علاقته بأصدقائه حتى أن بعض الأصدقاء
يقاطعون رفاقهم لهذا السبب ويفتشون على أصدقاء ورفاق جدد، أما على صعيد الأسرة
فرسوب الطالب وفشله يسبب الحرج والشعور بالخجل لاسيما إذا كان هناك تنافس بين
أبناء الجيران أو الأقرباء، وعلى الأهل تقديم كافة أنواع الدعم المعنوي للأبناء لتصبح
ارادتهم أقوى وبالتالي يفكرون ويقررون كيف سيصلون إلى أعلى درجات النجاح.
ويمكن تجنب الفشل الدراسي من خلال تعزيز الثقة بالنفس، وتنمية الصفات الإيجابية،
والاعتدال في الأهداف وفق القدرات، وتوثيق العلاقات مع الأصدقاء الجيدين للتغلب على
الشعور بالإحباط الدراسي، والانتباه للمعلومات الهامة وتسجيلها وتكرارها وإعادتها
باليوم التالي، وأخيراً تغيير طرق الدراسة والاستذكار وتخصيص أوقات معينة للدر
ومنح النفس التقدير والمكافأة بعد النجاح .
تقول بريت ماري بارث (Barth Mari-Britt » :(تتجلى الصعوبات والعقبات التعليمية
والتعلمية التي تواجه الطلبة في افتقارهم إلى الثقة بقدراتهم ومؤهلاتهم الفكرية
الخاصة، وضعف انخراطهم من الناحيتين الفكرية والوجدانية في الدراسة، وهذا بدوره
يؤدي تدريجيا إلى حالة من فقدان الأمل التي قد تفضي بهم إلى الانقطاع عن الدراسة
[email protected]
أضف تعليق