خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية، الذي ألقاه قبل أسبوع، كان محتواه الأساسي أكاذيبَ وسخافات تتعلّق بالإعلام واليسار. من ناحية الأسلوب والمضمون تراوح الخطاب بين دونالد ترامب وفيكتور أوربان، ولكن تحت ركام الهُراء هذا استترت حقيقة ثاقبة واحدة: المجتمع الدولي قادر على إنهاء الاحتلال.
تهكّم نتنياهو على إيهود باراك، رئيس الوزراء السابق قائلاً إنه "رجل قديم بلحية جديدة"، كما استذكر في خطابه تحذير باراك الذي قال عندما كان وزيراً للدفاع في حكومته، عام 2011: "نحن على شفا تسونامي سياسي، ومعظم الجمهور لا يدرك ذلك. هناك تحرّك دوليّ يعترف بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967. من الخطأ غضّ الطرْف عن تسونامي كهذا. نزع الشرعية عن إسرائيل يتراءى في الأفق، وإن كان المواطنون لا يرون هذا".
بعد مرور ستّ سنوات على إطلاق ذلك التحذير، وأمام جمهور مؤيّديه المتحمّس في "ساحة المعارض"، احتفل نتنياهو بنجاح استراتيجيته: "هو (باراك) قال إنّ هنالك تسونامي سياسياً قادم إلينا. أيّ تسونامي، أيّ عزل، أيّة سخافات... دولة إسرائيل آخذة في ازدهار سياسي لا سابق له".
وفعلاً، منذ تحذير التسونامي ذلك، مضت ستّ سنوات احتلال إضافيّة تضمّنت المزيد من الاستيطان للإسرائيليين، والمزيد من النهب للفلسطينيين. ستّ سنوات أخرى من القتل والعنف والقمع. ولكن إلى جانب كلّ ذلك – بحر هادئ، سماء صافية، ولا تسونامي.
العامل الموجّه في الاستراتيجية الإسرائيلية بشأن مستقبل السيطرة على الفلسطينيين غايته الدّفع التدريجي بمصالح إسرائيل من فوق ظهر الفلسطينيين وعلى حسابهم، مع التهرّب من القناة اللاّعنفيّة الوحيدة القادرة على تحدّي هذا الوضع: دفع الثمن دوليّاً. هذه هي الإسقاطات التي يخشاها نتنياهو، ويطمح إلى تجنّبها. الاستراتيجية المذكورة ليست من اختراع نتنياهو، ولكنه بالتأكيد يطبّقها ويحدّثها على نحوٍ دؤوب. في "ساحة المعارض" قبل أسبوع، احتفل نتنياهو وعلى نحوٍ علنيّ بما هو من وجهة نظره نجاح لهذا النهج – وبحقّ، إلى حدّ كبير.
ولكن، فيما يحتفل نتنياهو بهذا الإنجاز، فهو يصادق في الوقت نفسه على أنّ هذا الجانب بالذات هو نقطة الضعف المركزية التي تثير قلقه. وبالنسبة إلى أولئك القلائل المعنيّين بإنهاء الاحتلال، خلافًا لمعظم مركّبات التشكيلة السياسية في إسرائيل، هذا مثال آخر إضافيّ يُظهر القوّة الكامنة لدى المجتمع الدولي – لو يقتنع هذا أخيراً بأنّ عليه التحرّك.
وبالطبع، هنالك وجه آخر لهذه العملة: كلّما مرّت السنون دون تحرّك دوليّ، دون "تسونامي سياسي"، أو حتى شيء ما مشابه أو يُلمح إلى ذلك، هكذا سيبقى سياسيّون إسرائيليّون من أمثال نتنياهو، وكثيرون آخرون، مقتنعين بصدق نظرتهم، وقادرين على إقناع مزيد من الإسرائيليين أنّه من الممكن فعلاً مواصلة السيطرة على الفلسطينيين، وقتلهم وقمعهم ونهبهم، دون أن تكون إسقاطات ولا تداعيات دوليّة سلبيّة لهذه الكارثة، وأنّه لا فضاء مكفهرّاً بغيوم تتلبّد في الأفق. وكأنّي بهم يقولون: "لن يحدث شيء؛ لأنّه انظروا كم من السنين مرّت ولم يحدث شيء!".
من بين جميع ترّهات نتنياهو (كقوله إنّ هناك "حملة ملاحقات مهووسة لا سابق لها ضدّي وضدّ أُسْرتي بهدف إحداث انقلاب في السلطة")، نجد أنّ تهكّمه على تحذير "التسونامي السياسي"، ذلك التحذير الذي يغطّيه عفن سنوات ستّ مرّت عليه، هو تحديدًا ما له مصداقيّة في الواقع. فعليًّا، يبدو أنّ هذه هي النقطة الوحيدة في خطاب نتنياهو التي كانت مقنعة، لأنّها من قلب الواقع. بالنسبة لمن يلتزم بجدّية بإنهاء الاحتلال لاعنفيًّا، الردّ على هذا واضح: يجب وقف التعاون الدولي مع الاحتلال والوقوف الدولي حياله جانبًا. على المجتمع الدولي أن يقدّم بأفعاله مثالاً يُظهر للجمهور الإسرائيلي أنّه لا يمكن بعد الآن الاستمرار في الاحتلال من جهة، والتمتّع بصِفر إسقاطات دوليّة سلبية من جهة أخرى. وإلاّ، فالتسونامي الوحيد الذي سيواصل التصاعد هنا هو ذاك الذي يغرق من تحته الفلسطينيون منذ خمسين سنة، تحت أمواج الغطرسة والقمع الإسرائيليين.
* مدير مؤسسة "بيتسيلم".
[email protected]
أضف تعليق