نُشر في الأسبوع الماضي، أن " قانون القومية اليهودية" الذي تجري بلورته- لن يعرّف إسرائيل على أنها دولة يهودية- هذا ما يظهر من نقاشات اللجنة الوزارية الخاصة التي تتولى وضع الصيغة الجديدة للقانون. وقيل أنه بدلاً من مقولة " دولة ديمقراطية"، فإن الوزراء في اللجنة المذكورة يتخبطون في ما إذا كان يمكن الاكتفاء بنبذ ينص على أن " إسرائيل هي دولة يهودية بروح الإعلان عن قيام الدولة العبرية".
ولعل القارئ الساذج يتساءل عن الفرق بين دولة ديمقراطية ودول بروح وثيقة الاستقلال التي تشرح بالتفصيل أن الدولة العتيدة " ستتبع نهج المساواة الاجتماعية والسياسية التامة في الحقوق لكافة مواطنيها- دون تمييز في الدين والعرق والجنس". ويتساءل القارئ: أليست هذه الحقوق واحدة- نصًا وروحًا؟
كلا! ليس الأمر هكذا في الذهن المتفتّق الرشيد ليريف ليفين واييلت شكيد. فمثلاً، المساواة بالحقوق يمكن أن تتحقق بالسلب الشامل والمتساوي للحقوق- أي المساواة في انعدام الحقوق. النصّ المجرد للقانون يتيح تفسيرًا من هذا القبيل، وعندها فإذا أراد الحاكم، فبمقدوره منح تسهيلات وأفضليات ليست بحقوق قانونية، لليهود فقط، مثلاً.
الغرض من القانون هو تمكين المحاكم من تفضيل الاعتبارات اليهودية في الحالات التي تصطدم فيها مع الحقوق الديمقراطية المتساوية. لكنْ إذا كان القارئ لوثيقة الاستقلال مستقيمًا وموضوعيًا- " حياة كريمة، حرية واستقامة بالعمل"، حسبما ورد فيها- فمن الواضح له واستقامة بالعمل"، حسبما ورد فيها- فمن الواضح له أن روح المبادئ التي تتحدث من وحْيها عن المساواة التامة في الحقوق وليس عن المساواة التامة في انعدام الحقوق.
وأكثر من ذلك، فإن وثيقة الاستقلال توجَهنا إلى قرار مجلس الأمن الصادر في التاسع والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني عام 1947، حيث يقول: " في 29/11/1947 اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارًا يُلزم بإقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل، وطالبت الجمعية سكان أرض إسرائيل أن يتولوا بأنفسهم ابتاع الخطوات اللازمة من جهتهم لتنفيذ القرار. هذا الاعتراف من جهة الأمم المتحدة بحقّ الشعب اليهودي في إقامة دولته ليس قابلاً للمصادرة والإلغاء".
يتضمن قرار الأمم المتحدة تفصيلات تفيد بقيام الدولتين، اليهودية والعربية " بإجراء انتخابات للجمعية التأسيسية على أسس ديمقراطية" وبأن " الجمعية التأسيسية لكل دولة من الدولتين تعد دستورًا ديمقراطيًا لدولتها"، وكذلك بأن " المواطنين الإسرائيليين، وكذلك العرب واليهود ممكن هم ليسوا مواطنين ويقيمون في أرض إسرائيل- سيصبحون عند الاعتراف بالاستقلال مواطنين في الدولة التي يقيمون فيها، وستمنح لهم حقوق مدنية وسياسية كاملة".
إذن، فالقراءة الصائبة لوثيقة الاستقلال تشتمل أيضًا على تعهّد بإقامة دولة ديمقراطية تكون فيها المساواة بالحقوق- مساواة كاملة. وفوق ذلك، ينص قرار الأمم المتحدة على " أن الدولتين المستقلتين، العربية واليهودية، والنظام الدولي الخاص لمدينة القدس، تقام حتى موعد لا يتجاوز الأول من أكتوبر تشرين الأول من العام 1948 " وكذلك على " أن الحكومة المؤقتة لكل واحدة من الدولتين تبلغ الأمم المتحدة، قبل الاستقلال، بتصريح من جانبها، وتُعتبر الشروط المشمولة في التصريح كقوانين أساسية للدولة، ولا يمكن لأي قانون أو بنْد أو إجراء رسمي أن تتناقض مع هذه الشروط، أو أن تمسّ بها- ولا يمكن لأي قانون أو بند أو إجراء رسمي أن يكون لها مفعول أكثر من تلك الشروط". مثلاً، قانون القومية المتبلور ليس قانونيًا حسب وثيقة الاستقلال.
تحدّد روح وثيقة الاستقلال دولتين لشعبين بينما القدس مدينة دولية. ورغم أن الدول العربية لم تتقبل القرار، وشنّت الحرب وخسرت حقها في المطالبة بجزء كبير من إسرائيل على ضوء نتائج حرب العام 1948 وحرب العام 1967 بعدها- فإن إسرائيل ليست مُعافاة من ناحية أخلاقية- من التزاماتها وتعهداتها الواردة في وثيقة الاستقلال بشأن تطبيق قرار الأمم المتحدة منذ اللحظة التي عادت فيها السيطرة على إسرائيل بالكامل إلى يديها عام 1967. إقرار الحدود وفقًا للعام 1967- نعم. التغاضي عن تقسيم البلاد- لا!
[email protected]
أضف تعليق