يعتبر الهروب من المدرسة أو المنزل، من المظاهر المحتملة في مرحلة المراهقة. فهو يشكّل بالنسبة إلى بعض المراهقين بحثًا عن متنفس في ظل محيط اجتماعي أو عائلي أو مدرسي خانق يعيش فيه المراهق.
أما بالنسبة إلى بعضهم الآخر فهو محاولة لاختراق القوانين، وبالتالي خوض مغامرة تحدي الراشدين والقوانين التي يضعونها، والهروب من المدرسة هو خرق صارخ لهذه القوانين. وفي كل الأحوال لهروب التلميذ أسباب يجدر بالأهل وإدارة المدرسة الأخذ بها ومعالجتها. فإلى ماذا يشير هروب المراهق من المدرسة؟
هروب التلميذ المراهق مؤشر إلى أنه غير سعيد
يرى اختصاصيو التربية وعلم نفس المراهق أن الهروب من المدرسة مشكلة اجتماعية قبل أن تكون مشكلة فردية متعلّقة بالمراهق وحده، وليس صحيحًا أنه يحدث غالبًا بشكل مفاجئ ومن دون التخطيط له، بل وبحسب الاختصاصيين فإن المراهق يتعمّد الهروب من المدرسة ويخطّط له، وهو مؤشر الى أنه غير سعيد في البيت أو في المدرسة أو في الاثنين معًا. فيشكّل الهروب نوعًا من الانفراج بالنسبة إليه، ولكنه سرعان ما يتحوّل إلى فخ.
فمن الصعب عليه التحكم في آلة الزمن والرجوع إلى المدرسة أو المنزل. ماذا يقول لأهله؟ لماذا هرب من المدرسة؟ فتبدو العودة إلى المنزل همًا لحظاته ثقيلة ولكنها مهمة جدًا لأنها تفرض تطور الموقف سلبًا أو إيجابًا، وهذا يرتكز على رد فعل الأهل حياله.
وينصح الاختصاصيون الأهل بأن يكونوا لطيفين، وبعدم تسخيف فعل المراهق والاستهزاء به، بل عليهم كما يقول المثل الشعبي «ضرب الحديد وهو حام».
لذا عليهم التحدث معه، ومحاولة فهم الدوافع التي أثارت فكرة الهروب لديه. فالغضب وجعل المراهق يشعر بالذنب من ردود الفعل التي قد تؤدي إلى انقطاع التواصل بينه وبين وأهله وانغلاق باب الحوار بينهما نهائيًا. لذا على الأهل أن يُبقوا باب الاستماع إلى ابنهم مفتوحًا كي يستطيع التواصل معهم حين يشعر برغبة في الهروب.
اختبار قدراته على خرق القوانين
وفي المقابل، قد يشكّل الهروب من المدرسة نوعًا من اختبار المراهق لقدرته الذاتية على اختراق القوانين المدرسية والخروج عليها، فإذا لم تتنبه المدرسة إلى هذا الهروب فإنه سيكرّر فعلته.
وإذا تنبهت المدرسة وأبلغت الأهل، عليهم أن يتبيّنوا منه دوافع هروبه، والتحاور معه كي يعرفوا الأسباب التي من المحتمل أن تكون محاولة عابرة لخرق القانون، واختبار قدرة المحيطين به على السيطرة على تصرّفاته، وإما لأنه يعاني مشكلة نفسية، أو لديه صعوبة تعلّمية، أو ربما يكون الهروب رسالة من المراهق إلى أهله بأن عليهم التنبّه إلى وجوده في حال كانت هناك مشكلات عائلية مثل انفصال الوالدين.
ومع ذلك فإنّ الهروب المتكرّر من المنزل أو المدرسة مؤشر الى وجود مشكلة حادة عند المراهق، وعلى الأهل في هذه الحالة عرض الأمر على اختصاصي نفسي.
ويمكن تحديد أسباب الهروب
من المدرسة بالآتي:
وجود مشكلة يعانيها المراهق ويكون مصدرها المنزل، يقابلها سوء العلاقة بين التلميذ والمدرّس لعدم قدرة هذا الأخير على فهم مشكلات التلميذ.
شعور المراهق بثقل الواجبات المدرسية وكثرتها، يقابله ضغط الأهل والمدرسة لإنجازها.
خضوع المراهق لرغبة زملائه أو شلّة الأصدقاء التي تشكّل بالنسبة إليه عنصرًا مهمًا في حياته. فمن الملاحظ إخلاص المراهق لمبادئ هذه الشلّة ومعتقداتها، فيشاركها الأفكار، والنشاطات الرياضية، والميول نفسها التي لا تخلو في بعض الأحيان من الأخطار والمجازفة، من بينها الهروب من المدرسة، ليظهر أمام أصدقائه بمظهر البطل والقوي.
صرامة المعلمين واستغلال الأهل هذا الأمر كأن يهدّدوه في أنهم سيشتكون إلى أستاذه، وبذلك يحوّلون المدرّس إلى جلاّد يحمل سوط العقاب.
البيئة المدرسية من حيث عدم توافر الشروط المادية كالصفوف المزدحمة، وغياب الملاعب التي توفر النشاطات الرياضية، إلى جانب البيئة النفسية، والاجتماعية للمدرسة، فهناك بعض المدارس تحرم التلامذة من التفاعل الاجتماعي السليم، ويسود فيها العقاب القاسي، والمعلّمون لا يظهرون تفهمًا لمتطلبات التلامذة، مما يجعل التلميذ عامة، والمراهق خاصة يشعر بأنه مضطهد.
وهناك أسباب متعلّقة بالتلميذ المراهق نفسه... ومنها:
رغبة المراهق في البحث عن مغامرة وجذب الانتباه إليه، وحب التفاخر أمام زملائه.
عدم وجود دافع للتحصيل العلمي، وشعوره بأن لا طائل من الذهاب إلى المدرسة.
الخوف المرضي من المدرسة كالخوف من الاختبارات المدرسية مما يضعف ثقته بنفسه، وشعوره بالقلق الشديد مما يسبب له ضغوطًا نفسية ليس في مقدوره التغلب عليها، فضلاً عن أن المراهق قد يكون من النوع الذي يعتمد على أهله في كل شيء، وبالتالي فإنه يجد نفسه في المدرسة وحيدًا عليه تحمل مسؤولية نفسه، فيجد في الهروب ملاذًا للتملص من المسؤولية.
معاناة نفسية لدى المراهق تعيقه عن التفاعل الطبيعي نفسيًا واجتماعيًا في المدرسة.
شعوره بالوحدة الشديدة أو النبذ.
تعرّض المراهق لمعاملة قاسية جدًا إلى حد العنف، مثل تنمّر bullying أحد التلامذة فيكون محط سخرية أو تحقير أو استضعاف من الآخرين، لا سيّما التلامذة المسيطرين أو المتسلطين.
تعرّضه لمعاملة قاسية وإهانة مستمرة وتوبيخ من أهله أو المدرسة، مما يؤدي إلى عدم الثقة بالنفس والخوف والتردد والخجل الشديد.
وجود مشاكل عائلية مثل غياب الأب وانشغال الأم عن متابعة أوضاع الابن المراهق.
افتقاد المراهق للنموذج القدوة، وغياب الحوار بينه وبين والديه.
الحلول الممكنة
لكل مشكلة يعانيها المراهق حل غالبًا ما يكون الأهل مفتاحه، والهروب من المدرسة هو إحدى المشكلات التي قد تظهر في مرحلة المراهقة، وحلّها يكون بتعاون الأهل والمدرسة. وهذه بعض النصائح:
على المستوى العائلي:
البحث عن الأسباب وتشخيصها لتحديد طريقة التعامل مع مشكلة الهروب، كتغيير المدرسة إذا اضطر الأهل لذلك.
تشخيص العلاقة مع مدرّس الصف والتلامذة.
استعمال أسلوب التشجيع والتحفيز.
التحدّث إلى المراهق والتقرّب منه لمعرفة دوافع هروبه من المدرسة، والعمل على تقويم سلوكه.
معرفة ما يرغب فيه المراهق وما يرهبه ويرفضه، والعمل على تذليل الصعاب التي يواجهها، وتقديم الدعم له في هذه الأمور. مثلاً إذا كانت الدروس صعبة، يمكن تقديم المساعدة له بالوسائل المتاحة، وإذا كان السبب معاملة أستاذ المدرسة، من الضروري التحدّث إليه والتعاون معه على تحسين العلاقة بينه وبين التلميذ، أما إذا كان السبب تلامذة الصف فيمكن التعاون مع إدارة المدرسة كتغيير الشعبة التي ينتمي إليها التلميذ.
أمّا الحلول على الصعيد المدرسي فيمكن أن تكون على النحو الآتي:
متابعة التلامذة من خلال ملف خاص بكل تلميذ يحدّد سماته الشخصيّة والنفسيّة، ومتابعة أوضاعه الأكاديمية والاجتماعية.
التواصل المستمر بين الأهل والمدرسة للتعاون على إيجاد الحلول لمشكلة الهروب من المدرسة.
ضرورة مراجعة المرشد النفسي في المدرسة لمساعدة التلميذ في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي في المدرسة.
إشراكه في النشاطات المدرسية، ولا سيما تلك التي تقوم على روح الجماعة أو الفريق ليتسنى للمراهق الاندماج في نطاق الجماعة.
مناقشة المشاكل السلوكية في الصف، وتوعية التلامذة بأخطارها.
تقرّب المعلّمين من التلامذة، وتفهّم احتياجاتهم ومشاكلهم، ومساعدتهم على تخطيها.
يشدد اختصاصيو التربية على ضرورة الحوار بين الأهل والمراهق، فالهروب من المدرسة لن يتحوّل إلى كارثة إذا تنبّه الأهل وعرفوا أسبابه وعملوا على تذليل الصعاب التي يواجهها. وعليهم ألا يحكموا على ابنهم المراهق في أنه سيئ الأخلاق أو يخضعوا لرغبته في أنه غير قادر على التحصيل العلمي، بل عليهم استشارة اختصاصي نفسي عندما يشعرون بالعجز عن مساعدته.
وقبل أن يضعوا اللوم على أبنائهم، عليهم التفكير في سلوكهم وطريقة تعاملهم مع أبنائهم، هل هم حاضرون للاستماع إلى مشكلاتهم؟ هل يُشعرون أبناءهم بالأمان العاطفي والدفء العائلي؟ فهروب المراهق الموقت من المدرسة أو من المنزل هو نداء مبطن إلى والديه مفاده «أنا هنا، هل تشعران بوجودي؟».
إعداد : ديانا حدّارة
[email protected]
أضف تعليق