ما زال شيطان العنف يلاحق أروقة المدارس العربية، وما زالت حالات العنف التي تشهدها المدارس بمختلف أنواعها تتزايد مع كل عام دراسي جديد، وقد برزت حكاية العنف ضد المعلم الذي وصفه الشعار بالرسول "كاد المعلم ان يكون رسولا "، الا ان وفي مجتمعنا العربي لم يعطى المعلم احتراما مقابل النور الذي يرسمه امام الطالب في طريق ظلامه .
عنف يتأثر في المزاج العام
حول العنف ضد المعلمين داخل المدارس، تحدث مراسلنا إلى عدد من المربين ومدراء مدارس الذين ردوا بتعقيباتهم على قضية العنف ضد المعلمين، فقال المربي عمر واكد نصار مدير مدرسة عيلوط الثانوية: حالات العنف الممارسة ضد المعلمين والعاملين في حقل التربية والتعليم هي انعكاس للمزاج العام في المجتمع، المزاج المتأثر بالعنف والقتل والبطش والاعتقال في البلاد وفي المنطقة، ومجتمعنا يتأثر بهذا المزاج العام في كل مناحي الحياة.
وقال واكد: الطلاب والأهالي في الواقع الذي نعيشه يستهلكون بكثرة، عبر وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، أخبار القتل ومشاهد العنف على اختلافها، ومن الطبيعي أن يتأثروا بها. هذا الواقع يتطلب من الجميع أخذ دورهم لجهة ترشيد التربية الحديثة بحيث يتلقى الناشئة التوعية اللازمة التي تكفل نبذ العنف ومظاهره وأشكاله، وثمة حاجة ملحة لبرامج التوعية للعاملين في سلك التربية والتعليم، ولأهالي الطلاب، وللطلاب على حد سواء، وأنا أرى أن اعتماد أسلوب الحوار والإصغاء والاستماع للطالب، والتعامل معه باحترام شديد، كفيل بالحد من ظاهرة العنف التي قد يلجأ إليها الطالب إذا رأى أنه السبل سُدت في وجهه.
المعلم مستهدف من الأهل والطلاب
بدورها، قالت المربية رنا فاهوم: المعلمون يواجهون الكثير من الضغوطات وقد يتعرضون في اي لحظة للعنف الكلامي او الجسدي بسبب عدم وجود عقاب كافي يحميهم من الاعتداء، وقد اصبح المعلم مستهدفا اولا من قبل الطلاب ومن ثم الاهل . فان لم يرق لاحد الطلاب تعامل معلم معه يقوم بتوجيه كلام عنيف نحوه او يتشاجر معه او يحدث ضررا ما في سيارته وللأسف في معظم الاحيان لا يكون العقاب ملائما او كافيا . ناهيك عن تهجم الأهل بعنفوانية كلامهم وسلوكهم مع المعلمين وكانه يتوجب علی المعلم ان يكون هدفه الأول إرضاء الاهل والطلاب واسعادهم ومن ثم تمرير الرسالة التربوية العلمية.
الثقة بين الاطراف
اما المربي حسام دراوشة فقال: قال الشاعر؛ ما اشرقت في الكون أي حضارة الا وكانت من ضياء معلم. وقال آخر: ان المعلم شعلة قدسية تهدي العقول الى السبيل الأقوم ، أمام البحر ألمتلاطم من متنوعات العنف التي تعصف بحياتنا ومجتمعنا ومدارسنا ، كان لا بد لي من وقفة تأمل ومراجعة ذاتيه من وجهات نظر شتى ونظرات مختلفة بكوني معلم ومربي اب ورجل مجتمع. ترى ما الذي جعلنا نغرق في هذه المتاهات؟!! لماذا هدمت مقومات الاحترام والقيم في ذواتنا مجتمعنا عائلاتنا ومدارسنا؟ .
وقال دراوشة: انه من المؤلم ان نرى العنف المستشري في مدارسنا منعكسا بعد ذلك على مجتمعنا ظاهرا على اشكال مختلفة من قتل فساد دمار وخراب. بالنسبة لموضوع العنف المتكرر تجاه المعلمين من طلابهم في مدارسنا يجعلنا نشعر اننا ندور في حلقة مغلقه لا منفذ لها، وبهذا المجال اسلط الضوء الى جهات عدة واقسم الموضوع الى محاور مختلفة، الأمر يعود الى حلقات جميعها تتمحور في نواة المجتمع: الطالب، العائلة ،البيئة والمجتمع، المدرسة، وزارة المعارف، والتكنولوجيا الحديثة. ولكل على عاتقه مسؤوليه والكل ضالع في الوضع الموجود ،العنف اتجاه المعلم، والعنف في المجتمع والعائلة وفي المدارس سواء كان عنف كلامي ام جسدي والامر في غاية الخطورة لما فيه اهانة للعلم والمعلم ودمار للمجتمع .
وأضاف دراوشة: ان مهنة المعلم من اصعب مهن التحدي ، فهو انسان يعاني الرفض, انسان يكشف انه لا يأس مع الحياه، ينهض من جديد ويعلم بطريقته الخاصة جاعلا للمستحيل حلولا. ابدأ بدايةً بالمحور الاهم وهو العائلة والبيت حيث هي عنوان اخلاق الطالب ومهدها والاخلاق دعامة الحياه وتربية الاولاد مسؤوليه الوالدين اولا حيث عليهم ان يعلموهم المسموح والممنوع والمحظور ومهمتهم تقويم اولادهم وتعليمهم الآداب والنظام، والامر المثير للقلق اليوم عدم التميز بين الجرأة والوقاحة وكذلك التحدث بسوء عن معلم ما امام الاولاد مما يؤدي الى استخفاف بالمعلم ويجعله غير قادر على وضع الحدود علما ان معلمين هم اللذين يعطون الطريق لنحيا حياة صالحه ومعلمي هو مؤدبي وسبب حياتي الباقية. وبما ان المعلم هو المثل الاعلى للطالب فكيف له ان يقتدي بشخص يهينه الاهل ويتكلمون عنه بسخريه واهانه مما يجعل الطالب يستخف بمعلمه، اما بالنسبة للمعلم فهو ايضا عنصرا من الممكن ان يكون دافعا لعنف الطالب تجاهه، على المعلم ان يعي مدى تأثير كلماته على نفسية وسلوك الطالب، عليه التحاور معه والتشاور، احترام رأيه المخالف، تبرير المواقف، عليه ان يكون نموذجا صالحا لطلابه ويجعلهم شركاء في اتخاذ القرارات كي يكونوا ملتزمين، عليه الا يكون يابسا فيكسر ولا لينًا فيعسر واليد اللينة تقود الفيل بشعرةٍ، والكلام اللين يلين القلوب الاقسى من الصخر، والكلام الخشن يخشن القلوب الحرير، وقال الرسول (ص) ״ان الله رفيق يحب الرفق" فطريقة المعلم واسلوبه بالتعامل اتجاه الطالب يحدد سلوك الطالب تجاهه، عليه ان يكون له صديقا، شريكا، مستشارا ودودا ورحيما، فمن لانت كلمته وجبت محبته وباللطف تفتح جميع الابواب.
وتابع دراوشة: يجب ان تكون ثقة بين الطالب والمعلم والاهل اتصال مباشر ودي واحترام متبادل وعلى المعلم عدم استعمال كلمات بذيئة او عقاب بدني ضد الطالب فأن ضربة الكلمة اقوى من السيف. اما بالنسبة للمدرس ووزارة المعارف فمن واجبها ان تضع قوانين واضحه وملزمه وثابته فيها ضمان لحماية الطالب والمحافظة على كرامة ومكانة المعلم واحترامه، قوانين ودستور واضح من اجل بناء مجتمع صالح وتحسين الوضعية في المدارس والاقليم المدرسي وتوطيد العلاقات الحسنه المبنية على الاحترام، لذلك يجب اشراك الاهل والمعلمين والطلاب انفسهم في بناء دستور واضح يحمي الطالب ويعطي المعلم صلاحيات ليحافظ على مكانته، لاكن من المؤسف ان الوزارة تضع اليوم جل اهتمامها في التحصيل والنتائج والعلامات مهملةً الناحية الأخلاقية والقيم مع انها وزارة التربية والتعليم والتربية تسبق التعليم. على الوزارة المحافظة على حرمة وكرامة المعلم كي يكون قادرا على بناء مجتمع يسمو الى التطور والحضارة الفكرية والأخلاقية والحفاظ على سلامة المجتمع من الفساد، هذه السلوكيات ليست من مرؤتنا انما تسيء لمجتمعنا وتشوه صوره ارثه الحضاري والديني والاجتماعي. وامر اخر لا بد من الاشارة اليه ان سيطرة الوسائل الحديثة التكنولوجية التي انتشرت في هذه الايام ساعدت على عدم الاستقرار وتشتت الافكار واكتساب تصرفات غير مقبولة مما يراه طلابنا من هذه الوسائل من عنف وقتل وسرقات وعدم توفر الرقابة، الامر الذي يقودهم للعنف والدمار وليس فقط في المدرسة بل اكثر بكثير.. هذه الامور السلبية التي تغير سلوك الاولاد تدمر تربيتنا وتؤثر عليهم سلبيا وعلى منهجهم التربوي. هذه الوسائل والبرامج تطغو على افكارهم ويقومون بتمثيل الدور بطرق سلبيه حتى تاهوا الطريق واصبحوا لا يميزون بين المسموح والممنوع، بين الجرأة والوقاحة. والهدف الاساسي لنا كمربين ومعلمين ان نخلق مواطنا مستقلا يحقق ذاته ويخدم شعبه لا نريده ان يتحول الى حاقد ولا نريده ان يتسرب من بوابة المدرسة ولا تابع معدوم الشخصية غير مبال بمن حوله وما يحدث، من يتعرض للعنف لا بد ان يكون عنيفا، والعنف في البيوت ينعكس في المدارس وبالعكس.
[email protected]
أضف تعليق