بعد ساعات قليلة من إسقاط الطائرة الروسية على يد سلاح الجو التركي، تابعنا ردود الفعل الدولية على الحادث، وخاصة دول حلف الناتو، سرعان ما تسربت أنباء عن ردود فعل تشي باللوم وبعدم التصديق، لكن وبعد فترة، رأينا أن هذه الدول، وقفت إلى جانب حليفتها في الحلف بشكل معلن، مع ذلك فإن الصورة الأقرب إلى واقع الأمر، أن دول الحلف لا تريد لأحد أن يورطها في أي حرب عدا الحرب على الارهاب، وعلى الأرجح أن دول الحلف اعتبرت إسقاط الطائرة الروسية، ما هو إلاّ نتيجة التفكير المراهق للرئيس التركي الذي بات أكثر ميلاً للتشدد بعد نجاح حزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، من ناحية، وفشله في إقناع الأطراف الحليفة بإقامة منطقة عازلة على حدود تركيا مع سورية، والتي تهدف إضافة إلى الاخلال بميزان القوى لصالح قوى المعارضة على اختلاف تشكيلاتها، منع قيام أي شكل من أشكال الحكم الذاتي للاكراد في ذلك الشريط الحدودي، الأمر الذي يهدد في الصميم الدولة التركية من وجهة نظر أردوغان. التدخل الروسي في سورية، من شأنه ضرب هذه الرؤية في الجوهر، خاصة وأن إمكانيات التنسيق العالي بين التحالفين، الأميركي والروسي باتت محتملة اثر الاحداث الارهابية في العاصمة الفرنسية مؤخراً.
ولا نعتقد أن إسقاط الطائرة الروسية، كان بالتفاهم مع حلف الأطلسي، تردد دول الحلف في الساعات الأولى للحادث يشير إلى ذلك، كما أن ليس من مصلحة الحلفاء في هذا الوقت بالذات، استفزاز الروس الذين باتوا اللاعب الأساسي على الساحة السورية، سياسياً وعسكرياً، كما أن محاولة أردوغان الحديث هاتفياً مع بوتين، ثم بعد أيام قليلة التقدم باعتذار وأسف لما حدث، بعد أن رفض ذلك، من المرجح أنه جاء بضغط هائل من حلفائه في الأطلسي. ودفع ذلك نظير مراهقته السياسية والتغول مستنداً إلى عناصر أعتقد أنها تمنحه القدرة على التمرد على قوانين الاستقطاب السائدة في منطقة باتت في عمق المصالح الدولية والإقليمية المتباينة والمتقاطعة إلى حد غير مسبوق.
غير أن هذا الاعتذار، الذي أهدر من خلاله أردوغان كرامته وكرامة بلاده، ليس لأنه اعتذر، ولكن لكونه رفض مثل هذا الاعتذار في الوقت المناسب، وقبل أن يضطر الدب الروسي إلى استحضار كل مكامن القدرات العسكرية إلى منطقة، تهدد مباشرة مصالح تركيا من وجهة نظر أردوغان، ولو اعتذر في الوقت المناسب، ربما لكانت الخطوات الروسية، أقل اندفاعاً وحجماً، وظلت علاقات تركيا ـ عادية ـ مع الدب الروسي، هذا الاعتذار هو هزيمة منكرة للتفكير الغوغائي المراهق للجماعة التي تحكم تركيا.
الاعتذار التركي، لن يوقف الدور الروسي في سورية والمنطقة، بل سيشجع موسكو على المضي قدماً في تعزيز هذا الدور، خاصة على المسار السياسي للأزمة في سورية ويعزز من وجهة نظرها إزاء طبيعة أي حل سياسي، ومن شأنه أن يعيد الحياة إلى المشاورات التي جرت مؤخراً، بين التحالفين، الأميركي والروسي من أجل مواجهة دولية حقيقية للارهاب، داعش وأخواتها على اختلاف تسمياتها، والأهم من ذلك، على صعيد تركيا، وضع أي تفكير بإقامة منطقة عازلة، أو منطقة حظر جوي، كما طالب ويطالب أردوغان، على الرف، إن لم يكن وقف التفكير بهذه الفكرة نهائياً، على ضوء مستجدات الوضع الراهن إثر تصعيد الدور الروسي في سورية.
وإثر إسقاط الطائرة الروسية، فإن المتابعات الإعلامية والصحافية بشكل أساسي، ركزت على قيام تركيا، بإقامة منطقة عازلة خاصة بها، غير معلن عنها، باجتزاء واحتلال شريط حدودي، متفاوت العرض، شمال سورية، حيث أوجدت قوى ومنظمات عسكرية، تتخذ أسماء عديدة، إلاّ أنها كلها تقريباً، وحسب ما تم الكشف عنه من القوى التركمستانية، وهي ليست مجرد متطوعين، بل ان هناك من يشير ببعض الوثائق الى أن هذه القوى، أو بعضها على الأقل، هي جزء من الجيش التركي الرسمي، إلاّ أن كافة هذه القوى التركمستانية، تدربت وتسلحت من قبل الجيش التركي، وإذا كانت هذه القوى معنية بمواجهة عسكرية مع النظام في دمشق، إلاّ أن مهمتها الأساسية، تنحصر راهناً في مواجهة القوة الكردية الصاعدة والمتنامية، وتنحصر لاحقاً في اطار أي حل محتمل للأزمة في سورية، أولاً المشاركة كفصيل أو فصائل في المباحثات والمفاوضات، وثانياً، منع قيام أي حكم ذاتي، أو إدارة ذاتية كردية في تلك المنطقة.
وقبل اعتذار أردوغان بساعات قليلة، لم يتوقف عن تهديد بوتين، مشيراً إلى أن هذا الأخير يلعب بالنار، هذا الاعتذار، أكد على أن أردوغان هو الذي كان يلعب بالنار، التي بدأت تلفح وجه سياساته المراهقة وبحيث أن حلفاءه، كانوا أول من انتقدها، خشية من توريط الأطلسي في مواجهة ليست في زمانها أو مكانها، خاصة بعد «المنازلة» بين روسيا والحلف في اوكرانيا، إذ تبين عجز الحلف عن المواجهة في ظل الظروف السائدة حالياً.
غداً، ستظهر المعادلة الجديدة بين مختلف الأقطاب والتحالفات، وسنرى إذا ما وافق بوتين على لقاء اردوغان في قمة المناخ في العاصمة الفرنسية، وما إذا تمت إعادة الامور إلى المربع الأول قبل إسقاط الطائرة الروسية، والأهم، ما هو الثمن الذي سيدفعه اردوغان مقابل مثل هذه الصفقة؟!
[email protected]
أضف تعليق