انتفاضة الاثيوبيين الاسرائيليين الذين ينحدرون من اصول اثيوبية افريقية , المستمرة منذ يومين , تشبه واحياناً تكرر ما قاموا به هم انفسهم قبل عدة سنوات لكن بشكل أعنف , كذلك ما قامت به مجموعات وتنظيمات من اليهود الشرقيين منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ....
لقد شهدنا انتفاضة العمال الشرقيين في وادي الصليب بحيفا في المنتصف الثاني من القرن الماضي وهبات الاحتجاج التي قام بها" اليهود العرب" الذين اسكنوهم الاشكناز في حظائر الحيوانات عندما استجلبوهم من الدول العربية بعد عام 1948م ومروراً بمجموعات شرقية عديدة , أشهرها مجموعة نائب الجبهة الديمقراطبة للسلام والمساواة السابق تشارلي بيطون في حي مصرارة بالقدس الغربية , الذي خاض الانتخابات الاخيرة بقائمة شاس .
انهم يختلفون من حيث معاملتهم من المؤسسة الاشكنازية الحاكمة عن المهجرين الروس – الى بلادنا , رغم ان القاسم المشترك بينهم هو الفقر والعازة والانخداع بمستقبل زاهر في " ارض السمن والعسل " ( " اسرائيل "), كذلك النسبة العالية جداً من الاثيوبيين والروس من غير اليهود .
هؤلاء جميعاً استجلبوا باساليب مختلفة أغرائية و/او عنفية , كتفجير اديرتهم وبعض بيوتهم وشوارعهم والصاق التهم بالدولة التي يقطنون بها كي يبرروا تهجيرهم لاسرائيل الكولونيالية . لقد استخدم هؤلاء المهجرون كحطب لتغذية وقود الدولة الاستعمارية التي قامت بتصفية شعب من ارضه وتثبيت وجودها عليها . ولم يتم التعامل معهم من قبل القيادة الاشكنازية كيهود متساوين في اطار المشروع الصهيوني الذي استخدم ذريعة الديانة اليهودية كقاسم مشترك للجماهير التي روضوها وعلموها وصاغوها كمجتمع كولونيالي . فالكولونيالي هو عنصري بطبيعته ليس فقط ضد عدوه القومي المفترض وانما ضد الفئات الضعيفة طبقياً في اطار المجتمع الكولونيالي المعني .هذه حقائق مادية تاريخية تزخر بها كتب التاريخ . لكننا هنا نعيشها على جلدنا وامام اعيننا بكل مركباتها .
ألا أن النتيجة لترويض هؤلاء المسحوقين طبقياً هو ما قاله بالامس كل المتحدثين باسم الاثيوبيين المتظاهرين تحت العلم الاسرائيلي وليس العلم الاحمر مثلاً :" نحن يهود وخدمنا بالجيش الاسرائيلي مثل باقي اليهود , لكن الشرطة تعاملنا مثل العرب " ! الشرطة في الحقيقة تمثل سياسة الطبقة الاشكنازية الحاكمة . وقد اختفى عن المشهد لقمع المتظاهرين رجال الشرطة واليسام من اصل اثيوبي الذين ينخرطون غالباً في هذا السلك وسلك السجانين تماماً "كالدروز والبدو والاسلام والمسيحيين والشركس " المجندين . أي ان مسرحية الخداع والاستخدام ما تزال على اشدها من قبل مخرجيها ...
نحن وهم :
لكن من جهة اخرى , ما قام به الاثيوبيون من غلق لشوارع القدس وتل ابيب امس واول امس لا تجروء "قيادة الاغلبية العربية العقلانية " في" المتابعة "من الاقتراب منه , فهي كما قال بعضهم " حضارية ورتيبة وقانونية " , لذلك هي وافقت على الغاء مسيرة تل ابيب قبل اسبوع نزولاً عند رغبة الشرطة , رغم ان سبب المظاهرة هو هدم بيوت عربية , سبقها قتل شباب عرب بدم بارد وبدون محاكمة ( كفر كنا والقدس ) . أما سبب مظاهرة الاثيوبيين فهو الاحتجاج على اعتداء الشرطة الاسرائيلية على جندي اسرائيلي من اصول اثيوبية ! فلولا ما قامت به جماهيرنا من نضالات شعبية مؤثرة وجسيمة منذ يوم الارض وحتى اليوم , وبدون قرارات بالمواجهة من قيادة "المتابعة" , بل خروجاً عليها وعدم الاكتراث بها , لما سجلنا أي نضال مشرف للأسف . هذا النضال الذي يتغنى به كل من عارضه عند اتخاذ القرارات وحاول اجهاضه في الساحات النضالية باسم العقلانية والمحافظة على سلامة وامان الجماهير , وافتخر به اعلامياً وسياسياً على كل المنابر!
الغريب ايضاً ان الصديق ايمن عودة – رئيس قائمة "الجبهة" و"المشتركة" لم يطلب دعوة " المتابعة " حتى الآن للانعقاد من اجل تجنيد جموع الجماهير العربية لتهرع الى تل ابيب والتضامن مع المسحوقين السود من الاثيوبيين رغم انه استمات لفعل ذلك عام 2011م , للتضامن مع "ثورة الطبقة الوسطى من الاشكنازيين " في تل ابيب !
وعلى قاعدة ان " العنصرية تأكل ذاتها " , فاني لا اطير فرحاً لأنتفاضة السود الاثيوبيين في تل ابيب لأنها ستخمد وتلملم من قبل القيادة الاشكنازية الحاكمة , كما حصل مع سابقاتها . بالمقابل انا متأكد من ان العنصرية ضد هؤلاء ستزداد وان بطرق اخرى تماماً كما حصل مع امثالهم من اليهود - الوقود للدولة الكولونيالية . فان نتيجة العنصرية هي اليأس من الدولة الاشكنازية الكولونيالية والعودة الى البلاد التي اتوا منها , كما حصل مع الاثيوبيين انفسهم ومع الروس وهذا افضل الف مرة من تحسين ظروفهم المعيشية في اسرائيل . فعدد الذين " نزلوا من دولة الكيان " تفوق المليون ونصف , رغم التعتيم الاعلامي من قبل وزارة الداخلية الصهيونية. ولا اراهن على النضوج الطبقي لهؤلاء المسحوقين من اللجوء الينا كفلسطينيين والتحالف معنا ضد دولة الاشكناز الكولونيالية , لأنهم انخرطوا بمؤسساتها التي ما تزال قوية , والتي لن تسمح لأحد مركبات وجودها بالوصول الى درجة معاداتها , مقابل بديل هش ولاهث للمصالحة مع دولة الاحتلال وبعضهم من بيننا من يلهث من اجل الاندماج بها .
ان معركتنا طويلة وقاسية ولا يمكن ان تتحسن باتجاه استقطاب الطبقي اليهودي في هذه المرحلة , رغم عدم رفضه من حيث المبدأ , نحو القومي التحرري الا بتغيير موازين القوى على الارض وهذا ممكن جماهيرياً وغير ممكن قيادياً في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ شعبنا وامتنا ! مهمة المرحلة القادمة !
[email protected]
أضف تعليق