منذ أن نجحت الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست المنحلة، في توحيد صفوفها بناء على رغبة شعبية صادقة، بتوحيد صفوفها ولملمة شملها في "القائمة المشتركة" لانتخابات الكنيست القادمة، حرصا على عدم غياب التمثيل العربي فيها على أثر رفع نسبة الحسم من منطلقات عنصرية خبيثة لأصحاب القرار، والقائمة ومركباتها الحزبية ومن عمل على تشكيلها (لجنة الوفاق)، تتعرض لجملة انتقادات وتهجمات لا تتوقف، القليل منها ينطلق من منطلقات صادقة، والأغلب من منطلقات عديدة بعيدة عن المصلحة المشتركة والعامة، وهي تلجأ الى وضع العيوب في القائمة المشتركة ومركباتها، جريا على القول "رمتني بدائها وانسلت".
بداية وقبل الانتقال الى مناقشة بعض النقاط التي يتم تكرارها في وسائل الاعلام وعلى ألسنة ناشطين، لا بد من الاقرار بأمر بديهي، وهو أن القائمة المشتركة ليست مثالية وليست فوق النقد، وليست معصومة عن الخطأ، لكن أن نحولها الى هدف للتجريح والتشكيك والطعن، فهي الأمور التي تحتاج الى اعادة نظر وتقويم خاصة وأن الكثير من الانتقادات والتشنيعات مردودة على أصحابها.
لو توقفنا عند أكثر النقاط التي برزت في النقاشات والتعليقات، حول تشكيل القائمة لرأينا وسمعنا العجب العجاب، فعلى ماذا نتخاصم ونفتعل الخلافات ونحن ننشد الوحدة والتآلف؟ ولماذا تخرج أصواتا تطعن بجهود الوحدة، وتعمل بكل ما أوتيت من أجل دق الأسافين بين مركبات القائمة وهي في طور التكوين وبعدها؟ ولماذا تواصل بعض الأصوات، الطعن بتماسك القائمة المشتركة وتتنبأ بتفككها وهي بعد لم تتم الخطوة الأولى؟ ولماذا أصَمَّت بعض القوى آذانها عن كل النداءات والمناشدات، وهي تدرك انها تضرب أملا من آمال الجماهير العربية في هذه البلاد والذي يتحقق لأول مرة وهو اتحاد الأحزاب العربية في قائمة واحدة؟
من أكثر الادعاءات الغريبة التي سمعناها أثناء تشكيل القائمة أنها لا تمثل كل فئات مجتمعنا العربي، وأخذ البعض يعدد ويفصل ويقترح اضافة قطاعات وفئات عديدة ومتعددة، ولو تسنى للجنة الوفاق أن تدخل كل تلك الفئات والشخصيات لما استوفى العدد المطلوب للترشحي في القائمة، الهدف المنشود. حقيقة ان تلك الادعاءات أظهرت كم نحن متفرقين ومتشرذمين، بل ومصابين بالتناقض في تفكيرنا وأقوالنا. فالذين خرجوا علينا بتلك الطلبات كانوا يستهلون كلامهم بأنهم يعملون من أجل الوحدة ويؤمنون بالوحدة، ولو كان ذلك صحيحا ولو اننا نؤمن حقا بأننا شعب واحد، لما جزأنا شعبنا الى جزيئات صغيرة، وفصلنا بين ابن النقب والجليل، أو ابن الساحل والمثلث أو الأكاديمي والعامل أو المسلم والمسيحي والدرزي، فان تلك التقسيمات تظهر كم تفكيرنا متناقض ومواقفنا مهزوزة.
وأخذ البعض على القائمة أنها تشكلت من مندوبي الأحزاب فقط وأنها هدفت فقط لترتيب المقاعد، وانها تجاهلت قوى وأحزاب وحركات أخرى، مثل الحزب العربي الديمقراطي والحزب القومي العربي. من الواضح أن هذا الادعاء يحمل في طياته مغالطات ويتوجب توضيح الصورة بترو وهدوء قبل اطلاق الأحكام.
عندما بدأت المشاورات، فهي بدأت بين الأحزاب الممثلة في الكنيست وهي الجبهة والتجمع والقائمة الموحدة (التي جمعت في صفوفها الحركة الاسلامية الجنوبية، الحركة العربية للتغيير، الحزب العربي الديمقراطي والحزب القومي العربي)، وجاءت تلك المشاورات والمباحثات بناء على رغبة جماهيرية بتوحيد الصفوف، وبناء على حاجة حزبية للتصدي لقانون رفع نسبة الحسم من قبل اليمين العنصري. ونبعت المشكلة بعدما أعلنت الحركة الاسلامية عن حل القائمة الموحدة، وانتقلت المباحثات بين الأحزاب التي تتمتع بتمثيل فعلي في الكنيست، وهنا ارتفع اللغط واختلطت الأوراق. واذا كان المأخذ على الأحزاب أنها عملت على ضمان تمثيلها من خلال المقاعد، فان مطلب الأحزاب (الديمقراطي والقومي) وغيرها لم يتعد هذا المطلب، ولم نسمعها تجادل وتناقش في برنامج سياسي للقائمة المشتركة، انما اقتصر مطلبها على ضمان مقاعد وأماكن مضمونة لها في القائمة، ومن هنا غضبها ولجوؤها الى تشكيل قائمة بأي ثمن، حتى ترد الصاع صاعين لمن تجاهلها حتى لو بحرق عشرات آلاف الأصوات العربية.
ولم يقتصر الأمر على هذين الحزبين، حيث حاولت بعض الأوساط ومنها مجموعة من المحاضرين الأكاديميين، التي خرجت بحجة البحث عن وجوه جديدة في محاولة مشبوهة تجلت في اجتماعات وبيانات، سرعان ما تراجعت بعدما تخلى عنهم رئيس الحركة العربية للتغيير الذي ضمن مكانه في المشتركة، وتراجعت قائمة "ناصرتي" عن الدخول في هذه المغامرة غير المضمونة، فانفض عقد الأكاديميين وتبخرت مطالبهم المقتصرة على ادخال وجوه أكاديمية جديدة والمقصود وجه واحد، عمل جاهدا على الدفع بهذه المغامرة من أجل مصلحته الشخصية، خاصة وأن القائمة المشتركة تحوي أكاديميين بارزين، ومنهم الوجه الجديد الدكتور يوسف جبارين (الجبهة) الذي يدخل الكنيست لأول مرة، والدكتور باسل غطاس (التجمع) الذي دخل الكنيست قبل عامين فقط.
ومن أغرب الادعاءات في التهجم على القائمة المشتركة في مرحلة تركيب القائمة وتشكيلها، أن أحدا لم يسمع عن برنامج القائمة الانتخابي بما يحويه من مواقف سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد برع المنتقدون من الأطراف الأخرى التي طمحت في دخول الكنيست، في اثارة الضجيج والصراخ بحيث لم ينتبه أحد لسؤال تلك الأطراف عن برنامجها هي، فلم نسمع أحدا يتحدث عن برامج حتى من قبل المنتقدين الذين تركز همهم على ايجاد مكان مضمون لهم في القائمة المشتركة، وافتعلوا قضية البرنامج لكي يغطوا على مآربهم.
وهنا أطرح السؤال، هل حقا يخفى على أحد البرنامج الانتخابي للقائمة المشتركة حتى قبل تشكيلها؟ هل يجهل المتابعون برامج أحزابنا، وهل هي في تباعد كبيربرأيهم؟ ان ما يعرفه القاصي والداني، وخاصة من أبناء شعبنا أن مواقف الأحزاب والكتل العربية داخل الكنيست ومطالبها لا تختلف، بل تلتقي وتتطابق ولهذا لم تكمن المشكلة في البرنامج، كما ادعى من حاول دق الأسافين بين القائمة والجماهير، بل أن الجماهير طلبت الوحدة بين الأحزاب لقناعتها أنه لا توجد فوارق جوهرية بين الأحزاب وخاصة في نشاطها من خلال الكنيست، هذا النشاط الذي يتلخص في طرح المواقف السياسية العامة، ورفع احتياجات المجتمع العربي ومشاكله، وتوجيه الاستجوابات حول قضايا تواجه مجتمعنا وجماهيرنا، فعلى ماذا الاختلاف؟
ان الأمور ليست بهذه الصعوبة والتشابك حتى يصعب فهمها، وهي واضحة لمن أراد ذلك، وإلا نحيله الى شاعرنا أبي الطيب المتنبي الذي قال في هذه الحالة:
وليس يصحُّ في الإفهام شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ
ان مواصلة الطعن في القائمة المشتركة – على علاتها ونواقصها- باسم الوطنية ومصلحة جماهيرنا، انما يصب في النهاية في ضرب تلك المصلحة، فقطار التغيير والتقويم لم يتوقف، انما انطلق وهذه محطته الأولى، وهناك محطات كثيرة على الطريق تتطلب مزيدا من الجهود والمشاركة، وينتظرنا الكثير من العمل ليس قبل الانتخابات انما بعدها أيضا.
[email protected]
أضف تعليق