أن تقول "أنا عربي" في هذه الأيام يعني أن تعترف بذنب ما، حتى لو كان ضميرك مرتاحاً وأخلاقياتك لا غبار عليها. كيف لا وردود الفعل الكبرى في العالم الغربي تخلط بين الصالح والطالح، وتعاملنا بالجملة وليس بالمفرّق، وتأخذنا بجريرة التطرف الأصولي وليس بمقياس العقل والمنطق والتنوع.
بين داعش وطالبان، بين البغدادي والظواهري، نحن أسرى التعميم الذي يضعنا أجمعين في خانة الإرهاب والإرهابيين، علماً ان الإرهاب لا يتمثل فقط في الأعمال العدوانية التي يقع ضحيتها الأبرياء والعزّل، وينفّذها متعصبون ومتزمتون أصوليون الى أي جهة انتموا، إنما يتمثل أيضاً وخصوصاً، وبالقوة نفسها، في إرهاب الدولة الذي تمارسه القوى العظمى على ناس وبلدان ينتمون خصوصاً الى دول العالم الثالث، بما ينطوي عليه هذا الانتماء من مفاهيم وإيمانات اخرى مختلفة
هذا الإرهاب تمارسه القوى العظمى أيضاً على الأفراد من دون أن يرفّ لها جفن تقييمي أو نقدي.
ينجم عن ذلك إجحاف عظيم في حق القوى المجتمعية العربية الخلاّقة، الفاعلة، أو الهامشية التي ترفض الإرهاب والتزمت والتعصب والأصولية وتعمل ضدّها، لكنها تجد نفسها في موضع العزل والتهميش الإضافي، من الجانبين، في ضوء تقسيم العالم معسكرين، "معسكر الخير" و"معسكر الشرّ".
متى يدرك العالم أن الناس ليسوا قطعاناً لكي يُعامَلوا هذه المعاملة الوحشية التي إن دلّت على شيء، فعلى أن الفرد لا قيمة له؟
نريد أن نحيا، لا تحت سلطة الإرهاب والإرهاب المضاد، ولا تحت منطق المخرز الذي يواجه العين.
نريد أن نحيا، كلٌّ كما يريد، وحيث يريد، شرط عدم المساس بجوهر الحياة البشريةالقائم على التعدد والتنوع والاختلاف والحرية.
نريد أن نحيا من دون أن تكون حياتنا تهمة، وهويتنا تهمة، وجنسيتنا تهمة.
نريد أن نحيا، نقطة على السطر.
جمانة حداد شاعرة وكاتبة وصحافية لبنانية، مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة "النهار" في بيروت، أستاذة في الجامعة اللبنانية- الأميركية، ناشطة في مجال حقوق المرأة، ومؤسسة مجلة "جسد" الثقافية المتخصصة في آداب الجسد وعلومه وفنونه. أصدرت عشرات الكتب في الشعر والنثر والترجمة وأدب الأطفال، لاقت صدى نقدياً واسعاً في لبنان والعالم العربي، كما تُرجم معظمها إلى لغات أجنبية. نالت جوائز عربية وعالمية عديدة. من آخر إصداراتها "هكذا قتلتُ شهرزاد" و"سوبرمان عربي".
[email protected]
أضف تعليق