حروب إسرائيل مع الدول العربية تميزت بسرعتها التي لا تتعدّى أياماً، تحقق فيها إسرائيل إنجازات لتعرضها على الإسرائيليين كنصر لها. في العام 1948 كانت نكبة الشعب الفلسطيني، وتمثل الإنجاز بإقامة دولة إسرائيل، في عدوان 1956 تمثل الإنجاز باحتلال قطاع غزة وتحييده فيما بعد، وفي عدوان 1967 لم تستمر الحرب أكثر من أسبوع هزمت فيها جيوش 3 دول عربية هي مصر وسورية والأردن، واستولت إسرائيل على ما تبقى من فلسطين إضافة إلى هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
في عدوان 1982، اعتبرت إسرائيل أن إخراج منظمة التحرير من لبنان يعد إنجازاً كبيراً، في عدوان 2006 على جنوب لبنان اعتبرت تصريحات حسن نصر الله إنجازاً مهماً والتي قال فيها إنه لو كان يعلم حجم الخسائر والدمار الذي وقع في الضاحية الجنوبية وفي قرى جنوب لبنان لما كان خاض هذه الحرب، على اعتبار أن حزب الله يفكر مائة مرة" كما يقولون: قبل الإقدام على أي مواجهة مع إسرائيل، وفي عدوان العام 2008 - 2009، اعتبرت إسرائيل أن حماس قد ضعفت وتعلمت درساً، وجاء عدوان 2012 لتحقق إسرائيل فيها تهدئة اعتبرتها إنجازاً دون أن تعي أن هناك ناراً غير متوقعة تحت رماد العدوان.
في العدوان المستمر للأسبوع الرابع على قطاع غزة، فإن أقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط لا يعتبر أن هناك تصدياً حقيقياً لقواته "الساحقة"، فسلاح الجو بمختلف أنواع الطائرات الأميركية والغربية قادر على أن يدمر المنطقة... وسلاح البحرية لا توجد قوة قادرة على التصدي له.. والحرب البرية تأتي في ظل أرض محروقة.. ولهذا فإن الثمن لن يكون باهظاً، أو كما في الحروب والاعتداءات السابقة سيكون الثمن معقولاً، مقتل عدد محدود من الجنود بحيث تكون المعادلة 1 : 200 أو 1 : 500 أي جندي إسرائيلي مقابل كل 500 فلسطيني...
ضمن هذه الرؤية جاء العدوان المتواصل، على أن يتحقق الإنجاز الذي تقدمه القيادة السياسية للإسرائيليين كما في كل مرة معتقدة أنها حققت الانتصار، وكوت وعي الفلسطينيين.
ولكن في هذا العدوان لم تجد قوات الاحتلال في بنك أهدافها سوى تدمير المنازل على رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ، ولذلك نلاحظ أن نسبة هؤلاء من عدد الشهداء تزيد على 85%، ثم استهداف المؤسسات سواء كانت خدمية، أو إعلامية، أو إنسانية. إضافة إلى دكّ المدارس التي لجأ إليها عشرات آلاف النازحين ثم ضم المستشفيات إلى بنك أهدافها... ولكن سياسة الأرض المحروقة والدمار الهائل في المباني والبنى التحتية وقتل المئات ستقود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى عقاب باعتبارها جرائم حرب...
إن الإنجاز الذي تبحث عنه إسرائيل بقيادتها العسكرية أو السياسية لم يتحقق حتى الآن... وحتى تدمير الأنفاق الذي تتحدث عنه ليس ذا قيمة استراتيجية، لأن الجيش الإسرائيلي يتحدث اليوم عن شبكة أنفاق معقدة جداً تمتد تحت المدن والقرى والمخيمات في قطاع غزة... وبالتالي يمكن إعادة بنائها أو إصلاحها في وقت قياسي كما تؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية.
حتى مع بداية الهدنة التي كانت مقررة صباح أمس، فإن قوات الاحتلال وجدت نفسها تدفع ثمناً باهظاً من خلال الإصابات الكثيرة أو حتى فقدان الجندي...
إذن مواصلة الحرب هي خيار يبدو إجبارياً في سبيل البحث عن الإنجاز المفقود في ظل حديث إسرائيل عن تشكيل لجان تحقيق داخلية حول الفشل الكبير في الاستعداد لمعركة الأنفاق.
[email protected]
أضف تعليق