لم يتبق أحد في هذا العالم، إلا وطالب كل الفرق بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي البشع على الشعب الفلسطيني، ولكن لا احد في هذا العالم قدم شيئاً حقيقياً لتحقيق ذلك.
الوضع في قطاع غزة كارثي على كل المستويات، ويهدد استمرار العدوان لفترة اطول، لاعدام ابسط سبل الحياة، ان لم يكن قد تم اعدامها فعلياً. لا كهرباء ولا ماء، ولا خبز، ولا بضائع او مساعدات، وفي غياب القدرة للمستشفيات على استيعاب اعداد الجرحى، والقبور الداخلية لم تعد تتسع لزائريها، مما يضطر الناس لدفن اكثر من شهيد في مكان واحد.
وزير الخارجية الاميركي جون كيري امضى بضعة ايام في المنطقة، في جولات مكوكية وغير مكوكية، وغادرها بدون ان يفلح في اقناع او ارغام اسرائيل على وقف الحمم التي تلقيها على رؤوس الاطفال والنساء والمدنيين.
لا احد يعرف ماذا تريد اسرائيل من هذه الحرب، سوى تدمير المصالحة الفلسطينية التي بالكاد بدأت حبوها، بالاضافة الى اضعاف طرفي المعادلة الفلسطينية في غزة والضفة، الاسرائيليون لا يعرفون لماذا تواصل قيادتهم هذا التصعيد العدواني الجنوني، وما تدعيه حكومة نتنياهو من انها تريد تدمير الانفاق والبنى التحتية للمقاومة، لتأمين مواطنيها، هذا الهدف لا يبدو مقنعاً، ولا هو كافياً، لمثل هذه المغامرة التي ستحصد اسرائيل ثمنها مزيداً من الخسائر، ومزيداً من العزلة الدولية، ومزيداً من التناقضات والمحاكمات.
بسلوكها تثبت اسرائيل انها دولة خارجة عن القانون، ومتمردة على القوانين والمواثيق وقرارات المؤسسات الدولية، ويثبت سلوكها ايضا انزلاقها نحو المزيد من العنصرية، وممارسة الارهاب المنظم.
ويثبت سلوك اسرائيل الدولة، انها لا تبحث عن السلام، وانها ما تزال متمسكة بمعادلة، يتأكد لكل العالم، انها لم تعد صالحة، فالأمن لا يحقق السلام - ذلك ان هذه المعادلة جرت على اسرائيل الكثير من الويلات والكثير من الفشل الأمني والسياسي.
مجلس الأمن الدولي اجتمع ثلاث مرات، خلال فترة العدوان. آخرها اصدر بيانا عاد امين عام الامم المتحدة بان كي مون ليشرح مضمونه في مؤتمر صحافي، يدعو الى وقف اطلاق نار فوري. بيان مجلس الامن الدولي وشروحات بان كي مون، تأسست على موقف اميركي ورد على لسان رأس الادارة الاميركية الرئيس باراك اوباما، خلال مهاتفته الاولى مع بنيامين نتنياهو مساء يوم الاثنين الماضي.
باعتراف مصادر اسرائيلية مسؤولة، طالب اوباما نتنياهو بوقف فوري للنار، بدون شروط، ومن طرف واحد، لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي، اعلن في مؤتمر صحافي مع وزير دفاعه، ورئيس الاركان عن مواصلة وتوسيع العمليات، وهذا ما وقع فعلاً.
عاد اوباما ليتحدث هاتفياً مع نتنياهو للمرة الثانية ولكن بلهجة حادة واشد حزماً، لكن رئيس الحكومة الاسرائيلية واصل التصعيد على نحو واسع ليشمل القصف مدارس ايواء تابعة للأمم المتحدة، ومساجد ومؤسسات وبيوت آمنة، مما ادى الى ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين.
المفروض ان المناورة التي اتبعها نتنياهو، لا تمر على الادارة الاميركية، فهو رد على الرئيس الاميركي، بالطلب من جون كيري ترتيب وقف لاطلاق النار، الامر الذي سيعطيه المزيد من الوقت لمواصلة التصعيد والمزيد من الوقت للالتفاف على مهاتفه الرئيس الاميركي.
التساؤل هنا لا يطال حكومة اسرائيلية متطرفة ومراوغة، ومستعدة لأن تعض اليد التي تمتد اليها، ليذهب هذا التساؤل الى رد فعل الادارة الاميركية التي اثبتت استعدادها لتلقي وامتصاص المزيد من الاهانات، من قبل حليفة الولايات المتحدة المدللة. والسؤال هو ما الذي يجعل رئيس الدولة العظمى في العالم لأن يصمت على مثل هذه الاهانة، بعد ان تلقى هو ووزير خارجيته منها الكثير.
ليست الولايات المتحدة فقط، وانما انضمت اليها كل من المانيا وبريطانيا وفرنسا، ودول اخرى طالبت بوقف اطلاق النار ولكن لا حياة لمن تنادي.
منطقياً يفترض ان نتوقع ردود فعل غاضبة من قبل هذه الدولة، من شأنها ان تردع اسرائيل. وادارتها السياسية المتطرفة، التي تدير ظهرها للعالم، ولا ترتوي من دماء الابرياء الفلسطينيين، ولكن الامر ليس على هذا النحو، بل ربما تتجه الادارة الاميركية نحو تقديم اغراءات ومكافآت لاسرائيل لكي تلبي الطلب الاميركي والدولي. هكذا كان الحال دائماً، وقد عرفنا خلال مرحلتي ادارة الرئيس باراك اوباما، ان اسرائيل كانت الفائزة في كل مرة يحصل فيها تعارض بين الحبيبين.
لسنا بصدد اقتراح حلول، لا على الفلسطينيين ولا على العرب، من اجل اتخاذ ما يلزم، لارغام اسرائيل على الانصياع للادارة الدولية، فلقد قدمت كل من البرازيل وتشيلي وفنزويلا، ما يعفينا عن الكلام، ما قدمته هذه الدول البعيدة، من نموذج عبر سحب سفرائها من اسرائيل ينبغي ان يشق الطريق، امام الكثير من دول العالم، وأولها الدول العربية، طالما ان اسرائيل لا تفهم لغة الحكمة والعقل، ولا تفهم لغة النصائح حتى لو جاءت من صديق قوي.
[email protected]
أضف تعليق