"الوحدة مبدأ مقدّس ولكن التعدديّة لا تقل قداسة"، والكلمات من رسالة التحيّة لمؤتمر "اتحاد الأدباء الفلسطينيين- 19 حزيران 2014"، من شاعرنا الكبير سميح القاسم. رأيت أن اقتبس كلمات القاسم هذه فاتحة لهذا المقال على ضوء الحراك، ربّما المحموم، الذي شهدته وتشهده الساحة الثقافيّة مؤخرا لإعادة مأسسة اتحادٍ للكتّاب.

أوافق كليّا قول القاسم عن الوحدة وقدسيّتها ولكني أرى أن الوحدة تصير مبدأ مقدّسا، حينما تقوم على أسس مشتركة مقدّسة، ولكن حينما تكون مجرّد شعار شعبويّ وكلمة حقّ يُراد بها باطل تضيع قدسيّتها وتضيع الحاجة إليها، وفعلا تصير التعددية التي لا تقلّ قداسة، أقدس.

الوحدة التنظيميّة شيء والوحدة الرؤيوية شيء آخر، فعن أي وحدة نتكلم حين نطرح وحدة الكتاب؟!

حين انطلق الحراك، في لقاء ل-41 كاتبا في شفاعمرو يوم 29\3\2014 من أعضاء "اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين- حيفا وآخرون" إذ أن ثلث من شارك على الأقل لم يكونوا أعضاء في هذا الاتحاد ، انطلق تحت مسمّى "لقاء تحضيريّ لعقد مؤتمر عام للكتاب"، وفعلا اتجهت النوايا، المعلنة على الأقل في اللقاء، نحو محاولة لإقامة اتحاد كتاب واسع واحد موحّد وعلى أسس وحدويّة ومن خلال الاتحاد القائم بغض النظر عن كل شيء على أن يكون هذا الاتحاد جزء منه، وهذا يتطلب دعوة صريحة لكل الكتاب وبشكل يليق (لا فيسبوكيّة ولا مواقعيّة فقط)، وانتدبت لجنة تحضيريّة للإعداد للمؤتمر على هذه الأسس.

كان "الاتحاد" في هذا اللقاء منقسما على نفسه ف"اتحاد الكتاب الفلسطينيين الأحرار (كفاح)" قاطع اللقاء معتبرا نفسه اتحادا منفرد لم يشارك في اللجنة التحضيرية في جلستيها الأولى والثانية، وفي نطاق الجهد الذي بذله أعضاء في اللجنة التحضيريّة وقبل إعلان أي ترشح كان، وعينيّا في لقاء في كفر قرع، تمّ اتخاذ القرار في اللجنة التأسيسيّة لكفاح بالعودة إلى الاتحاد والعمل من داخله ومرّة أخرى بغض النظر عن الادعاءات المختلفة والصحيحة في غالبيتها.

وكاد أن يقوم اتحاد آخر في المثلث الجنوبي احتجاجا على التجاهل والتهميش، فقام هؤلاء الأعضاء في اللجنة بالاتصال بالمبادرين وبعشرات الأدباء من خارج الاتحاد والتقاءهم من أجل العمل على إعادة تأسيس اتحاد شامل ومن خلال الاتحاد القائم وعلى ضوء مقررات لقاء شفاعمرو ، ووافق على ذلك العشرات. وتعبيرا عن حسن النوايا انضمّ الكتاب من أعضاء اللجنة وغيرهم للاتحاد في مسعى للم شمل أكبر عدد من الأدباء للمشاركة في المؤتمر المقرر.

تعددت الاجتهادات في اللجنة التحضيريّة وما كادت تتفاعل مفضيا تفاعلها إلى اختلافات ليس فقط تنظيميّة وإنما رؤيويّة، رأى فيها البعض "تخطيرا" لمكانته ومكانه (لا أقصد شخصا بعينه وإنما نهجا)، حتى امتشق سلاح التحريض الأرعن في بعضه، ولكن الملفع بشعار الوحدة ملوحا فيه قولا وكتابة ظنّا منه أنها عصا سحريّة كفيلة بمحو كل الخطايا، فما أن "شمّ" هذا البعض رائحة عدم رضا عن أدائه أو دوره الفئوي على مدى سنوات، وأدائه ودوره في التحضير لمؤتمر لا يتناسب والنوايا التي أطلقت في الاجتماع التحضيريّ حتّى راح يخبط خبط عشواء كما الطفل المدافع عن لعبته وقد اعتقد أن خطرا يحدق بها، وكثرت ال"ستاتوسات" والبيانات ال"فيسبوكيّة" تحمل في طياتها حملات "التكفير الثقافيّ" ومن كل نوع وصنف تجاهلناها حينها ونربأ بأنفسنا أن نتناولها في هذه العجالة رغم استمرارها وتكثيفها.

رأى قرابة ال120 كاتبا من خيرة وطليعة أدبنا المحلّي، وعلى ضوء ما تقدّم والكثير غيره، أن لا يكونوا شركاء في المؤتمر المقرر وأن يؤطروا أنفسهم في إطار آخر وعقد مؤتمر في هذا الخصوص، معللين أسبابهم دون تجريح أحد ودون التحريض على أحد، القسم اليسير جدا منهم كانوا أعضاء في الإطار القائم أو لجنته التحضيريّة ، فما الضير في ذلك؟ ولماذا هذه الحملة العشوائيّة على رموز هذا التحرك وهذه ال"جاي يا غلمان جاي طبّت الذئاب على الوحدة فشلّختها" ؟!

انطلقوا وليبارك الله خطاكم وليسدّدها إذا أراد جلّ جلاله، واعقدوا مؤتمركم وانتخبوا رئيسكم وإدارتكم وارفعوا شأن الثقافة الفلسطينيّة وانهضوا بها، فما حاجتكم لمثلنا أعداء الوحدة وأعداء الثقافة الفلسطينيّة؟ لا بل وأكثر ونحن نحمل الشهادات الجديدة في العمالة للاحتلال التي جاءتنا فزعة لكم، من "الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين (!)"؟!

حين تصير الوحدة شعارا شعبويّا لتكفير كل من يخرج عنها رؤيويّا فيصحّ فيها قول علي بن أبي طالب (ر) أيام صفين والجمل حول التحكيم: "كلام حقّ يراد به باطل"، وتصير التعددية أقدس منها كثيرا، فالشعوب نهضت بتعدديتها الثقافية ولا توجد وحدة ثقافيّة إذا كانت الشعبويّة شعارها، ولن يضير حركتنا الثقافيّة أن يكون هنالك اتحادان فالميدان يتّسع للكل وفي الميدان يُكرم المرء أو يُهان لا على "الفيسبوكان".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]