يقولون إن رائد نصرالله رحل.
لكنّ الرحيل لا يشبه الذين كانوا يمشون فوق الأرض كأنهم يرمّمون كسورها،
ولا يشبه الذين كانت كلماتهم تُعيد ترتيب العالم في صدور الآخرين.
قد يرحل الجسد،
لكنّ الروح التي كانت تُشبه بابًا مفتوحًا للناس
لا يغلقها الموت،
ولا يستطيع أن يُطفئ دفأها.
**رائد نصرالله لم يكن شخصًا…
كان أثرًا، وكان إنسانًا يلمع كما تلمع البدايات النادرة.**
كان يعبر الحياة لا ليجمع شيئًا لنفسه،
بل ليترك في كلّ قلب مكانًا صغيرًا للراحة.
كان إذا وقف، شعرت الأرض بأنّ عليها أن تهدأ قليلًا.
وإذا تحدّث، بدت الحياة أسهل،
وإذا ابتسم، شعر الناس بأنّ هناك متّسعًا للخير مهما اشتدّ الظلام.
يقولون إنه مات…
لكنّ الذين يموتون هم الذين مرّوا في الحياة بلا بصمة،
بلا إنسانية،
بلا أثر.
أمّا رائد، فقد مرّ كمن يزرع في كلّ إنسان شيئًا يشبه الرجاء،
وفي كلّ موقف شيئًا يشبه القوة،
وفي كلّ علاقة شيئًا يشبه الكرامة.
هناك أناسٌ يختبرهم الموت ولا يعرف كيف يتعامل معهم.
لا يعرف كيف يمسك بروحٍ كانت أوسع من اللحظة،
وأعمق من الجسد،
وأصدق من الأيام.
الذين يشبهون رائد نصرالله
لا يغادرون حين يغادرون.
إنهم يتحوّلون إلى ذاكرة دافئة،
إلى ضوء يسند الخطوات،
إلى حضورٍ غير مرئيّ لكنه ثابت…
كأنه نبض يتردّد في الهواء.
**الموت يُجيد جمع الأجساد…
لكنّه يفشل أمام المعنى.**
ورائد كان معنىً كاملًا:
معنى الطيبة حين تتجسّد،
ومعنى الرجولة حين تتّسع لتحتوي الضعفاء،
ومعنى الإنسانية حين تُمارس دون ضجيج.
لهذا، كلّما قال أحدهم “مات”،
ارتجفت الحقيقة في صدر الحياة.
فالرجل الذي عاش بقلبٍ كان ملاذًا للآخرين
لا يموت…
بل يعود إليهم بطريقة أخرى.
لا تقولوا إن رائد نصرالله مات.
قولوا إنّه تحرّر من الشكل،
وإنّ روحه أصبحت كما وُلدت:
ضوءًا صافياً،
حضورًا يختبئ بين الكلمات،
وذكرى لا تنطفئ مهما طال الغياب.
فمن كان قلبه على هذا القدر من الاتساع…
لا يُطفئه الموت،
بل يوسّعه.
[email protected]
أضف تعليق