بقلم رانية مرجية
أنا لم أولد من رحمٍ عادي،

بل من شرارةٍ هاربة من فمِ المجرة،

من دمعةِ نجمٍ سقط في العدم،

ومن وجعِ أرضٍ تئنّ تحت أقدام الغزاة.

أنا شهيدةُ السؤال،

أمشي عاريةَ القلب،

وأحمل على كتفيّ صخرةَ المعنى،

كما حمل سيزيف صخرته،

لكنني لا أستسلمُ للعبث،

بل أجرؤ أن أُقيم معبدًا

من بقايا الحطام.

أيتها الأرض،

أما شبعتِ من ابتلاع صرخاتنا؟

كلُّ نبيٍّ وُلد فيكِ صار شهيدًا،

وكلُّ ثائرٍ دُفن فيكِ صار بذرة.

من رمادنا تُطلّ سنابل،

ومن دموعنا ينهض المطر،

ومع ذلك ما زلتِ مقبرةً

وأرجوحةً للدم.

أيها الزمن،

ظننتَ أنك سيد اللعبة،

لكنني أدركتُ أن وجودي أوسع منك.

لقد كتبتني الأساطير قبل أن تكتبني الساعة،

أنا حفيدةُ جلجامش،

وأختُ عشتار،

وابنةُ المسيح الذي بكى على أورشليم،

ورفيقةُ كلّ من سار في درب الحقّ

وواجه الطغاة.

أنا الوريثةُ الشرعية لكلّ الذين

هزموا الموت بالمعنى.

أيها الإنسان،

أما تعبتَ من عبادة القوة؟

لقد رأيتُك في كلّ العصور:

كنتَ فرعونًا يبني هرمه على جثث العبيد،

وكنتَ قيصرًا يزهو بدماء المقاتلين،

وكنتَ تاجرًا يبيع روحَه مقابل حفنةِ ذهب.

لكنك أيضًا كنتَ المسيح وهو يغفر،

والحسين وهو يرفضُ الذل،

وأمّ الشهيد وهي تزرع الدموع في حضن التراب.

فأنتَ — يا إنسان —

ثنائيةٌ أبدية:

سيفٌ وجرح،

خيانةٌ وخلاص،

رمادٌ ونبوءة.

جرحي ليس عارًا،

إنه خريطةُ رحلتي،

إنه الشاهد الوحيد على أنني كنتُ هنا.

جرحي يشبه قوس قزحٍ من دم،

يمتدّ من جسدي إلى فضاء الله،

ليقول له:

“انظر… أنا لم أُخلق عبثًا،

أنا كتبتُ بدموعي ملحمةً

لم يكتبها أحد قبلي”.

لن أنتظر جنّةً ولا جحيمًا،

فالفردوسُ الحقيقي أن أُصبح كلمة،

والكلمةُ لا تموت.

أنا الحبرُ الذي ينجو من النار،

والصرخةُ التي تتردّد في كلّ العصور،

أنا أنشودةُ الروح

حين تتحدى مجرّة الخراب.

وحين تنطفئ أنفاسي،

سيبقى اسمي محفورًا في ليل الأرض،

كإشراقةِ نجمٍ صغير،

يرشد الغرباءَ واليتامى،

ويذكّرهم أن الإنسان،

حتى في أقسى الهزائم،

يستطيع أن يكتب ملحمةً

بمداد الجرح،

وأن ينهض من رماده

كطائر الفينيق.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]