بلدتي… الجش الجليلية، ذاكرة الروح ووهج الحنين

بقلم: رانية مرجية
حين تمسك الشاعرة هند هاشول راشد بريشة الحنين لترسم لنا صورة قريتها الجش الجليلية، لا تكتب نصًا عابرًا، بل تفتح نافذة على قلبها، وتفرش أمامنا دروب الطفولة كما لو كانت زهورًا برّية تفوح بعطر الخبز وزيت الزيتون.

في نصها “بلدتي”، نلمس لغة صافية كالنبع، لا تفتعل ولا تتكلف، بل تخرج من عمق الذاكرة ومن دفء الانتماء. فالجش ليست مجرد قرية، إنها حضن الأم، وضحكة الإخوة، وجدار البيت الأول، وهي أيضًا المهد الذي حفظ البراءة وصان الضحكات الصغيرة.

رمزية المكان والذاكرة
القرية هنا ليست مكانًا جغرافيًا فحسب، بل وطن روحي يتسع في وجدان الكاتبة، حتى يصبح جنةً كاملة، أو فردوسًا يزهر بالتين والزيتون. نرى كيف يتحول التراب إلى أريكة، والنسيم إلى عناق، والأزقة إلى عطر طفولي خالد. إنها استعادة للذاكرة لا بالنوستالجيا وحدها، بل بالقداسة التي تجعل من كل حجر وحقلة وثيقة هوية وحياة.

لغة العاطفة والبوح
اللغة التي اعتمدتها الشاعرة ناعمة ومضيئة، تنسج عبارات منسابة كترانيم، تجمع بين بساطة التعبير وعمق الشعور. نلاحظ كيف تتكرّر صيغة النداء “يا فردوسًا…” كترسيخ لعاطفة الانبهار، وكيف يوظَّف التكرار “هي بلدتي…” لتعزيز قداسة المكان في الذاكرة.

إنها لغة قلب يكتب قبل القلم، لغة عاشقة ترى في الوطن الأمّ كل معاني الطهر والسكينة.

بين الذات والجماعة
النص لا يقف عند حدود التجربة الفردية، بل يفتح الباب للجماعة: الأم، الإخوة، العزوة. القرية تتحوّل إلى ذاكرة جمعية، تحفظ ملامح العائلة وتختزن صدى الأجيال. وهنا تتجلى فلسفة الانتماء: فالوطن ليس فكرة سياسية مجردة، بل هو عطر الخبز، لمسة الغصن، وضحكة الأخوة تحت سقف واحد.

خاتمة نقدية
نص “بلدتي” لهند هاشول راشد ليس مجرد بوحٍ وجداني، بل هو أيقونة حب ومقاومة صامتة، يؤكد أن الانتماء الحقيقي يتجذر في الأرض والذاكرة معًا. إنه نص يليق بأن يُعلَّق على جدار بيت قديم في الجش، أو يُقرأ في صباح شتوي حيث رائحة التنور تمتزج بأصوات الأمهات.

إننا أمام كتابة تذكّرنا بأن القرى ليست جغرافيا وحسب، بل أرواحنا حين تسكن في الحروف


بلدتي ...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]