في صباح يوم الأحد المشؤوم، 27 آب 2023، استيقظ علي مبكرًا، صلى الفجر، ثم جاء ليوقظني للصلاة. كنت متعبة، فبقيت في سريري. قال لي: "لا تقلقي يا أمي، سأدبر أمري"، وخرج. لم أكن أعلم أن هذه ستكون آخر كلماته لي، أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي أسمع فيها صوته، وأرى وجهه، وأشعر بوجوده في البيت.
لم أستيقظ كعادتي، وكأن شيئًا ما منعني من النهوض. كأنني كنت أعرف أن هذا اليوم مختلف، لكنه لم يكن إحساسًا عاديا، بل غصة لم أفهمها إلا لاحقًا. في السابعة والنصف صباحًا، استيقظت، لكن علي لم يكن هنا. لم يكن في البيت، لم يكن في عمله، لم يكن في أي مكان يمكنني الوصول إليه. كان قد فارق الحياة.
جاءني ابني الآخر، وجهه شاحب، صوته متردد. "أمي، علي أصيب في قدمه"، قالها وهو يعلم الحقيقة، لكنه لم يجرؤ على قولها. لم أصدق، كيف يمكن أن يكون قد أصيب؟ لقد كان هنا قبل لحظات! قبل قليل أيقظني... قبل قليل ابتسم لي... قبل قليل كان ابني معي، والآن يقولون إنه أصيب؟ لم يقولوا الحقيقة مباشرة، لكنني عرفتها عندما نظرت في عيونهم، عندما بدأ قلبي ينهار دون أن يخبرني أحد بشيء.

*"ما السلامة يا مسك فايح..."*
كل يوم أغني له، "مع السلامة يا مسك فايح" كأنني أحاول أن أعيده، أن أخبره بأنني لم أودعه كما يجب، بأنني لم أخبره كم أحبه، كم كنت فخورة به، كم كنت أشعر بالأمان بوجوده. كان شابًا وسيمًا، قوي البنية، طيب الأخلاق، يساعد الجميع، يبتسم دائمًا، يقول لي كلامًا جميلاً كل يوم. كان ابني، وكان حياتي، والآن؟ الآن أراه تحت التراب، وأرى أن هذه الحياة لا تساوي شيئًا.

*"الشرطة تعرف من قتله"*
قتلوا علي بلا رحمة، بلا سبب. سرقوه مني في لحظة، ولم يحاسبهم أحد. الشرطة تعرف من هم، اعتقلوهم لأسابيع، ثم تركوهم ليعودوا إلى حياتهم كأن شيئًا لم يكن، كأنه دم رخيص، كأن دمنا جميعًا لا يعني لهم شيئًا.
أنا أم، ولا أطلب إلا العدالة. أريد أن أعرف لماذا قتلوا علي؟ بأي حق؟ بأي قلب تمكنوا من رفع السلاح عليه وإطلاق النار؟ كيف عادوا إلى بيوتهم، تناولوا طعامهم، ناموا في أسرّتهم، واستمروا في حياتهم بينما أنا لم أعد أملك حتى أن أسمع صوته؟

*"كفى"*
أنا لا أريد لأم أخرى أن تعيش ما أعيشه. لا أريد لبيت آخر أن يتحول إلى قبر مفتوح، للدموع أن تصبح لغة العائلات، للرصاص أن يكون الطريقة الوحيدة التي نعرف بها أن النهار بدأ أو انتهى. إلى متى سنبقى ندفن أبناءنا؟ إلى متى سنقبل أن يكون القاتل معروفًا، والجريمة مستمرة، والعدالة غائبة؟

*"نحن أحياء، ولن نسكت"*
لم أكتب هذا المقال لأبكي وحدي، بل لأقول لكل واحد منكم: لا تتركوا الجريمة تبتلع حياتنا. لا تتركوا هذا الألم يصبح واقعًا عاديًا. نحن بحاجة إلى أن نصرخ، أن نحتج، أن نخرج إلى الشوارع، أن نواجه تقصير الدولة بصوت عالٍ، أن نفضح تواطؤ الشرطة. نحن بحاجة إلى كل واحد منكم، لأن كل بيت أصبح مهددًا، وكل أم قد تكون التالية.
أدعوكم جميعًا، من فقد ابنه ومن لم يفقد، إلى أن نكثف النضال، أن نشارك في كل وقفة احتجاجية، في كل مظاهرة، في كل اعتصام. لا يكفي أن نحزن، علينا أن نتحرك، لأن السكوت يعني أن الدماء ستستمر في النزيف.
أنا أم، قلبي منكسر، لكنني لن أسكت. لا أريد المزيد من الأمهات بهذا القهر. لا أريد أمًا أخرى أن تستيقظ في صباح عادي، ثم تجد نفسها فجأة في كابوس لا ينتهي. لا أريد أن أرى صور شبابنا تملأ الجدران والنعوش، بينما القاتل حر، والحياة تمضي كأن شيئًا لم يكن.
ابني علي ليس رقمًا، ولن يكون. صوته سيظل في ذاكرتي، ووجهه لن يُمحى من روحي، ولن أسمح أن يُنسى. من أجله، من أجل كل الأمهات، من أجل كل الشباب الذين ما زالوا هنا، لن أسكت. ولن تسكتوا معي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]