بقلم: اميه زريق نصرالله- معالجه مختصة في مجال العنف الزوجي

"كل يوم أجد نفسي مدفوعاً برغبة ملحة لتفقد هاتف زوجتي، أراقب رسائلها ومكالماتها بدافع من مخاوف عندي لم أواجهها بعد. كم من مرة حاولت أن أحد من علاقاتها الاجتماعية، وطلبت منها عدم التواصل مع صديقاتها وعائلتها وكأن عزلها عن محيطها سيجعلها ملكاً لي وحدي. وفي لحظات كثيرة، أجد نفسي أقلل من شأن نجاحاتها المهنية، أحاول كسر أجنحة طموحها بكلمات قاسية تؤكد لها أنها 'لا تستطيع'.


عندما أتأمل سلوكي في إدارة الأمور المالية للمنزل، أجد نفسي متسلطاً في كل التفاصيل، أفرض عليها طلب إذني حتى لشراء ضروريات الحياة اليومية، متجاهلاً حقيقة مساهمتها المالية من راتبها الشهري في مصروفات الأسرة.


حين فكرت زوجتي بالانفصال مراراً، واجهتها بسلاح التهديد بحضانة أطفالنا، فتراجعت مرغمة. واليوم، نحن معاً في علاقة يخيم عليها التوتر والصمت. أجد نفسي ألومها على تصرفات لا تروق لي، وأسيء معاملتها، معتقداً أنها المخطئة دائما"ً.


يبدو هذا النص كخاطرة لطيفة، يعترف فيها زوج بتصرفات وسلوكيات تبدو في نظره عادية وطبيعية في علاقته مع زوجته، لكن في حقيقة الأمر هذا النص يكشف عن نمط سلوكي مؤذٍ في العلاقة الزوجية، حيث يمارس الزوج عنفاً نفسياً وسيطرة غير صحية. ان السيطرة على الهاتف الشخصي والعلاقات الاجتماعية، والتقليل من قيمة الإنجازات الفردية، والتحكم بالمدخول المالي، والتهديد بالأطفال، والأذى النفسي المتمثل في التذنيب - كلها ممارسات ضارة تتنافى مع مبادئ العلاقة الزوجية الصحية.


قد يجهل العديد من الرجال مدى وعمق تأثير هذه السلوكيات على نفسية الزوجة وعلى العلاقة الحميمة بين الزوجين. حيث تؤكد الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة أن هذه الممارسات تترك آثاراً عميقة على نفسية الزوجة ومشاعرها, منها:
- يمس بثقتها بنفسها وتقديرها لذاتها.
- يشعرها بالقلق والخوف والترقب
- يدفعها للاكتئاب والعزلة الاجتماعية
- يفقدها الإحساس بالهوية الشخصية والاستقلالية
- يطور اضطرابات في النوم والأكل لديها
- يشعرها بالذنب والعجز المكتسب


هذه التأثيرات لها تداعيات على العلاقة الحميميه بين الزوجين، ومن الجدير أن يسأل الرجل نفسه بعض الأسئلة: هل تشعر بفقدان الثقة والأمان العاطفي الضروري للحميمية بينكم? هل تشعر بصعوبة في الانفتاح العاطفي والجسدي معك كشريك حياتها? هل تشعر بتعاظم مشاعر النفور والكراهية تجاهك كشريك؟ هل تشعر بفقدان الرغبة الجنسية? هل تحولت العلاقة الحميمة إلى واجب ثقيل بدل أن تكون تعبيراً عن الحب? هل تشعران بفقدان الإحساس بالأمان والراحة في العلاقة الجسدية؟


قد لا يرى العديد من الأزواج الرابط ما بين العلاقة الزوجية التي تتسم بالسيطرة وبين العلاقة الحميمة، لكن في واقع الأمر فإن هذا الرابط هو ما يؤدي إلى خلق حلقة مفرغة تزيد من تدهور العلاقة الزوجية ككل، وقد تؤدي إلى عواقب صحية ونفسية طويلة المدى على الزوجين وعلى العائلة بأكملها.


كمختصين عندما نواجه وصف لهذه السلوكيات المسيطرة دون تسميتها عنفًا، علينا التوضيح ان ممارسه أياً من هذه السلوكيات، أو التفكير بها، يمكن ان يهدد العلاقة الزوجية بكافة اوجهها، وهنا أعود لأذكر بأن العلاقة الزوجية الصحية التي تأتي بالسعادة على الزوجين تقوم على 5 أسس:
- الثقة المتبادلة واحترام الخصوصية
- دعم وتشجيع نجاحات وطموحات كلا الطرفين
- المشاركة العادلة في إدارة الأمور المالية
- عدم استخدام الأطفال كوسيلة ضغط
- تحمل المسؤولية عن التصرفات الشخصية وعدم إلقاء اللوم على الطرف الآخر

في سنوات ماضية، كان التوجه لتلقي الاستشارة حول العلاقة الزوجية وديناميكيتاها، رغبة من الطرفين بتحسينها وتطويرها أمرًا نادرًا، لكن، في ظل الضغوطات والتحديات اليومية الخارجة عن سيطرة الزوجين والتي قد تتحول لدى بعض الأزواج الى حجة لممارسات بعض اشكال العنف، فإن استشارة المختصين للتمتع بعلاقه صحية أصبح واجبًا. ان استشاره شخص مهني مختص كفيل بمساعدتك على تطوير نمط تواصل صحي وبناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم، أكثر صحية وحميميه.

قد يشارك رجل خاطرة كهذه لكن هذا لا يعني ان النساء بعيدات عن إمكانية ممارسة العنف في العلاقة الزوجية والسيطرة على كل مجالات الحياة للشريك.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]