ناقشت الكنيست مؤخرًا خطّة ريفمان لتنظيم توطين البدو في بلدات النقب، وهي خطّة تحمل في طيّاتها مخاطر اجتماعيّة عميقة قد تخلّف آثارًا قاسية، لا سيّما على النساء البدويّات. لم تُصَغ الخطّة بمشاركة حقيقيّة من المجتمع البدوي، ممّا يجعلها تتجاوز قضيّة المسكن لتصل إلى حدِّ المساس المباشر بمكانة النساء. ترسّخ هذه الخطّة آليّات تُعمِّق إقصاء النساء البدويّات عن مواقع صنع القرار واتّخاذه، وبدلًا من أن تكون وسيلة للتغيير الاجتماعي الإيجابي، قد تتحوّل إلى رمزٍ لقمع مؤسّساتي ممنهَج يفاقم معاناتهن.

تقصي هذه الخطّة النساء عن سيرورة التخطيط، ويُشكّل هذا الإقصاء دلالةً على اتّباع سياسة مركزيّة. في هذه الخطّة، لا تحظى النساء البدويّات بتمثيلٍ في سيرورة صياغتها وإعدادها، في الوقت الّذي يشكّلْنَ فيه جزءًا لا يتجزّأ من المجتمع وعمودًا فقريًّا أساسيًّا للأسرة. عمليًّا، فإنّ إقصاءَ النساء عن مثل هذه الخطط ليس فقط ظلمًا وتعدّيًا أخلاقيًّا، بل هو أيضًا خطأ استراتيجيٌّ فادح. التخطيط المجتمعي الّذي يتجاهل وجهة النظر الجندريّة، لا شكّ أنّه يؤدّي إلى حلولٍ لا تأخذ بعين الاعتبار احتياجات نصف سكّان المجتمع.

تتجاهل خطّة ريفمان التحدّيات الخاصّة الّتي تواجهها النساء البدويّات، لا سيّما أولئك اللاتي يعشْنَ في قرى مسلوبة الاعتراف. على سبيل المثال في مجال التشغيل، حيث لا تقدّم الخطّة حلولًا عمليّة لتحسين فرص عمل النساء البدويّات. حاليًّا، لا تتجاوز نسبة النساء البدويّات العاملات 30%، وتنخفض هذه النسبة في القرى مسلوبة الاعتراف إلى أقلّ من ذلك بكثير. وبالنظر إلى النساء العاملات، غالبًا ما تكون الوظائف جزئيّة وبأجور متدنّية. لا تعالج الخطّة الحواجز المنظوماتيّة الّتي تعيق عمل النساء، مثل غياب المواصلات العامّة أو الأطر الخاصّة بالأطفال، كما لا تتضمّن خطوات عمليّة لتحسين الحال، مثل تقديم حوافز للشركات والمصالح التجاريّة المحلّيّة لدعم تشغيل النساء. بدون تحسين البنى التحتيّة الأساسيّة في القرى مسلوبة الاعتراف، كالمواصلات العامّة ودور الحضانة، وبدون اتّخاذ خطوات إضافيّة ملموسة لدعم تشغيل النساء، تصبح مسألة دمج النساء البدويّات في سوق العمل مهمّة شبه مستحيلة.

انتهاك 

تنتهك هذه الخطّة حقوق المسكن والملكيّة، ويُشار فيها إلى أحد البنود المقلقة في إنشاء آليّات لفرض الامتثال والإلزام بالانصياع، بحيث تتضمّن تهديدات مباشرة بهدم البيوت. بالنسبة للنساء، لا يُعدُّ هذا التهديد مجرّد تهديد مادّي، بل يتعدّى إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، نحو كونه تهديدًا اجتماعيًّا ونفسيًّا على حدٍّ سواء. في بيئة وثقافة يعتبر فيها البيت ركيزة اقتصاديّة واجتماعيّة وعاطفيّة، فإنّ هدمه يمثّل انتهاكًا صارخًا متعدّد الأبعاد. تجد العديد من النساء أنفسهن وهنّ مضطرّات لمواجهة هدم بيوتهن، دون توفير حلول مسكن بديلة ملائمة. غياب البدائل، يعزّز من الاعتماد القسري للنساء على الرجال في كلّ ما يخصّ الجوانب الاقتصاديّة والمادّيّة، ممّا يحدّ بالتالي من استقلاليّتهن. يُضاف إلى ذلك معاناة النساء من الخوف والقلق والاكتئاب، ممّا يضعِف فيهن مشاعر الانتماء والاستقرار. بدلًا من توفير الأمن وتعزيز الشعور بالانتماء، تخلق هذه الخطّة أرضيّة خصبة من عدم الاستقرار، وتُبقي النساء أكثر عرضة للإقصاء والتهميش والاستضعاف.

لقد أدركت العديد من الدول أنّ النساء هنَّ المفتاح لإحداث تغيير مجتمعي حقيقي، لا سيّما في المجتمعات المستضعَفة، مثل البرازيل ورواندا، حيث ركّزت الخطط الناجحة هناك على دمج النساء في سيرورة التخطيط، إلى جانب إشراكهن في برامج التنمية وسيرورة اتّخاذ القرارات، ممّا أسهَمَ بالتالي إلى حدٍّ كبير في تعزيز المجتمع بأسره. خطّة ريفمان تُضيّع هذه الفرصة، إذ تعمل على إقصاء النساء وتهميشهن، دون تقديم حلولٍ تلبّي احتياجاتهنّ الخاصّة.

حان الوقت لتعزيز مسار الشَراكة ووقف السياسات التدميريّة. آن الأوان للنظر بجدّيّة في احتياجات المجتمع البدوي عمومًا، والنساء البدويّات بشكل خاص. كلُّ خطّة لتنظيم توطين البدو في النقب، يجب أن ترتكز على شَراكة حقيقيّة وتعاون جدّي، يأخذ في الحسبان الاحتياجات المتنوِّعة لكافّة السكّان. يجب ضمان تمثيل نسائي لائق، وتعزيز تخطيط حلولٍ سكنيّة مستدامة، إلى جانب تطوير بنى تحتيّة اجتماعيّة واقتصاديّة تضمن المساواة الجندريّة.

كلُّ سياسة تُهمِّش نصف السكّان وتُقصيهم عن دوائر التأثير، ليس فقط أنّها غير أخلاقيّة، بل هي أيضًا سياسة غير مستدامة لا بدّ وأن تتهالَك. مثل هذه السياسات تُنتج حتمًا إحباطًا واغترابًا، وتعمّق الفجوات بدلًا من تقليصها والتجسير عليها. يجب أن ينطلق كلّ تخطيط من قاعدة الحوار القائم على المساواة والاحتواء واحترام الأصوات كافّة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]