العنف الأسري هو إحدى الآفات الاجتماعية التي باتت تتصدر النقاشات في العالم الحديث، لكن غالبًا ما ينصب التركيز على توصيف الظاهرة وأسبابها وأنواعها دون تقديم حلول جذرية تساهم في تقليصها. من هذا المنطلق، أرى أنه من الواجب علينا إعادة النظر في الجذور النفسية والاجتماعية التي تساهم في تغذية هذه الظاهرة، ومن بين أهم تلك الجذور: "العقد غير المُعلَن".
العقد غير المُعلَن، أو الاتفاقية غير المصرح بها، هو مفهوم يصف الأنماط والتوقعات التي تتكون داخلنا منذ الطفولة وتؤثر بشكل عميق على سلوكياتنا وعلاقاتنا الزوجية دون وعي منا. غالبًا ما يُبنى هذا العقد على التجارب العائلية السابقة التي تعلمنا منها، دون قصد، مفهوم العلاقة بين الزوجين، الأبوّة، والأمومة. هذه المفاهيم القديمة تُصبح كأنماط تلقائية تتحكم في قراراتنا وسلوكياتنا داخل العلاقة الزوجية.
ما هو العقد غير المُعلَن؟
العقد غير المُعلَن هو اتفاق ضمني غير مذكور بين شريكين في علاقة، يتشكل من توقعاتهما حول العلاقة بناءً على تجاربهما الشخصية السابقة. عندما لا يتم التطرق لهذه التوقعات والمفاهيم بشكل واعٍ، فإنها تطفو على السطح في شكل ردود فعل غير متوقعة أو مشاحنات قد تتطور إلى عنف بين الزوجين.
تشير دراسة حديثة أجرتها مبادرة "الخطوط الحمراء" بالتعاون مع وزارة الرفاه إلى أن واحدًا من كل عشرة أشخاص في إسرائيل تعرض للعنف في علاقته الزوجية خلال العام الماضي، حيث كانت النساء الأكثر تضررًا. ووفقًا للدراسة، 5.3% من النساء تعرضن للعنف الجسدي، و8% تعرضن لعنف جنسي، و9% عانين من سلوكيات عنيفة غير جسدية بشكل متكرر. من ناحية أخرى، أفاد 3.8% من الرجال أنهم تعرضوا لعنف جسدي، بينما تعرض 6% لعنف جنسي.
الحاجة إلى تغيير جذري
في ضوء هذه الأرقام، يبدو واضحًا أن العنف الأسري لا يمكن معالجته فقط عبر الاستجابات السريعة بعد وقوعه، بل يتطلب وقفة جادة لإعادة بناء المفاهيم الأساسية التي تُشكل العلاقات الزوجية. أحد الأسئلة المهمة التي يجب أن يطرحها كل من الرجل والمرأة على أنفسهم هو: ما نوع العلاقة التي أرغب بها؟ وهل قمت بمشاركة هذا مع شريك حياتي؟
إن تعزيز الوعي بمفهوم العقد غير المُعلَن يمكن أن يكون خطوة أولى نحو الحد من هذه الظاهرة. الشباب والشابات بحاجة إلى ورش عمل وحوارات مفتوحة تسلط الضوء على:
• تعريف الأنماط والتوقعات غير الواعية.
• النقاش حول العقد غير المُعلَن بين الأزواج.
• اتخاذ قرارات واعية وجديدة بشأن الحياة الزوجية.
• بناء حياة زوجية متناغمة ومستدامة.
حلول عملية للتغيير
من خلال تجربتي في العمل مع مركز الجليل، نؤمن بأن التغيير يبدأ بتوفير منصات للحوار الآمن والمفتوح. لذلك، نقوم بتنظيم ورشات عمل تهدف إلى تمكين الأزواج من فهم أنفسهم وشركائهم بشكل أفضل. تشمل هذه الورشات:
• حوارات ونقاشات مفتوحة.
• حلقات إصغاء للتعرف على مشاعر وتوقعات الطرف الآخر.
• جلسات درامية نفسية تسلط الضوء على الأنماط اللاواعية.
• العمل في الطبيعة لتعزيز التوازن النفسي والجسدي.
النتائج والوعي المجتمعي
الدراسة المذكورة تشير أيضًا إلى ضعف طلب المساعدة بين ضحايا العنف الزوجي. أقل من نصف النساء المتضررات يتوجهن لطلب المساعدة، بينما النسبة لدى الرجال لا تتجاوز 20%. هذه الأرقام تعكس أهمية تعزيز الوعي المجتمعي ودفع المتضررين إلى كسر حاجز الصمت.
لقد حان الوقت لتغيير النظرة إلى العنف الأسري من كونه حالة استثنائية إلى كونه ظاهرة واسعة تحتاج إلى مواجهة شاملة. الحل يبدأ بإعادة النظر في الجذور النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة والعمل بشكل وقائي عبر التثقيف والتوعية المستمرة.
لا يمكننا تحقيق هذا التغيير إلا من خلال مشاركة الجميع – الرجال والنساء، المؤسسات الحكومية والمدنية، وأفراد المجتمع ككل – لبناء مستقبل يخلو من العنف ويزخر بالعلاقات الصحية والمتناغمة.
[email protected]
أضف تعليق