بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية التي صادفت يوم أمس الأثنين، تحدث موقع بكرا مع الشيخ د.محمد سلامة حسن، حول رسالة الهجرة في قراءة معاصرة، وقال خلال حديثه:"بمناسبة العام الهجري الجديد 1446، وبعد التهنئة والمباركة، نؤكد أن من معاني الهجرة : الترك والانتقال من حال إلى حال، وورد أن المهاجر الحقيقي هو الذي هجر ما نهى الله عنه! وكل ناظر في تفاصيل الهجرة الشريفة يجد الواقع المعاصر أمام ناظريه، بدءا من أسباب الهجرة وأبرزها اشتداد الأذى بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مرورا بالتخطيط الحكيم والإعداد السليم والتنفيذ القويم وانتهاء بالفتح المبين".
وأضاف: "واختصارا للكلام، واختزالا للتفاصيل، فقد تمّ إعداد الراحلتيْن للسفر، واختيار وقت الحرّ الشديد للانطلاق، واصطفاء الرفيق الصديق صاحبا في الطريق، وانتقاء عليّ الوفيّ فداء في المبيت، واستثمار الطاقات في النائبات، كل في موقعه، فدليل الرحلة والهجرة المباركة ابن أريقط وإن كان مشركا، لعدم وجود البديل الإسلامي، وذات النطاقين أسماء تستلم مهمة تتناسب مع شخصيتها، فتقوم على إعداد الزاد وتزويد النبي والوالد بالطعام والشراب، وعبد الله الفتى المؤمن الذي يتوقد حماسا وخفة وحركة يكون عيْنا على المشركين يراقب قريشا كالهدهد ويأتيهم بالنبأ اليقين، وابن فهيرة يأتي بالأغنام ليمحو آثار الأقدام…والمعية الربانية في غار ثور تشفي صدور المؤمنين" لا تحزن إنّ الله معنا " ليزدادوا إيمانا ويقينا وطمأنينة بأن الله مع المؤمنين، ولهذا؛ لا حزن، ولا قلق، ولا شك في سلامة المنهج ووضوح الرؤية، وصدق الرؤيا " وعلى الله قصد السبيل " ، ووعد سراقة ابن مالك بسواري كسرى تصديق لنبوءة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم كل مؤمن " وما يعلم جنود ربك إلا هو".
وتابع: "فنصر الله يأتي المؤمنين ولو بعد حين " ومن أوفى بعهده من الله "، فمن خرج أول النهار يطلب رأس رسول الله حيا أو ميتا ليفوز بمتاع من الدنيا قليل، عاد أدراجه بعد أن آمن وأخذ الأمان ليدافع وينافح عن رسول الله ودعوته بكل ما أوتي من قوة، وليخذّل عن المسلمين وليتحقق الوعد النبوي لاحقا في خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه ولتتأكد القاعدة الربانية " إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا "، وليكون الاستقبال فيما بعد في المدينة المنورة للموكب النبوي الشريف بصورة تليق بالمقام، وهناك أقام بالعدل والحق - لا بالأوهام - صرح الدولة، وضمن الهدوء والاستقرار بإجراء العهد مع أهل الكتاب وفق شروط اجتماعية وقواعد ذهبية تحمل في طياتها :ضمان السلم الأهلي والاجتماعي، والوفاء لمن وفى بالعهد، فلا خيانة ولا تمرد ولا تآمر، ومن خرج عن العهد والميثاق فلا عهد له ولا أمن ولا أمان وهذا جزاء من يخون العهود والمواثيق! ثم كانت العودة إلى مكة بعد حنين طال ثمانية أعوام، ليكون الدرس لكل مؤمن ولكل وطني وإنساني، ولكل مُهَجّر ومُشرّد ونازح ومنكوب: العودة متحققة ولو بعد حين، بعز عزيز أو بذل ذليل، فلا يأس ولا قنوط".
الهجرة من مكان إلى آخر، قد تكون اضطرارية وقسرية
واستشهد بآيات من القرآن الكريم: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِٱلظُّنُونَا۠ (10) هُنَالِكَ ٱبۡتُلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُواْ زِلۡزَالٗا شَدِيدٗا (11)، مضيفًا: "فهذا موطن الابتلاء الشديد والزلزلة التي تمحص الأمة والبشرية والإنسانية أفرادا وجماعات، ثم يكون الفتح المبين " نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين " …عندها وعندها فقط يكون الفرح الحقيقي،حيث تكتحل عيون المؤمنين برؤية الوطن - مكة وأخواتها - محررا بعد طول انتظار " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون " …
واختتم: "فالهجرة من مكان إلى آخر، قد تكون اضطرارية وقسرية فرارا إلى الله،وحفاظا على الدين والعقيدة والإيمان على أمل العودة والرجوع، وقد تكون الهجرة بالمعنى المجازي هجرة للذنوب وتركا للمعاصي وتوبة إلى الله، وعودة إلى دوحة الإيمان والأمان والسلم والسلام والإسلام، وهذا ما تحتاجه الأمة والإنسانية في هذا الزمان، فطوبى لمن جعل الله الخير على يديه، وحقق الهدف، وبلغ الغاية، ليفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة. اللهم فرج الكرب واغفر الذنب وسهّل الدرب وأطفئ نار الحرب، ونسألك اللهم أن ترفع راية السلم وتنكس راية الظلم، وتحقق الغاية وتدفع الغواية، وتنصر الحق وتزهق الباطل " فنعم المولى ونعم النصير".
[email protected]
أضف تعليق