يعتبر يوم الجمعة عيدًا للمسلمين لما له من كثير الفضائل عن سائر أيام الأسبوع، من أهمها ساعة الاستجابة التي لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه له، كما ورد عن أبي هريرة: «إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً، لا يُوافِقُها مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ فيها خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ، قالَ: وهي ساعَةٌ خَفِيفَةٌ. وفي رواية: ولَمْ يَقُلْ: وهي ساعَةٌ خَفِيفَةٌ».
تحديد ساعة الاستجابة
وعن تحديد ساعة استجابة الدعاء يوم الجمعة، تقول الأمانة العامة لدار الإفتاء المصرية، إنه ينبغي للمسلم أن يكون حريصًا على الدعاء في يوم الجمعة كله فيعظُم بذلك أجره، بينما يعد تحديد وقت إجابة الدعاء في هذا اليوم مسألة خلافية، حتى إنَّ من رجَّح قولًا معيَّنًا لم يحكم على باقي الأقوال بالتخطئة، والتقيُّد بوقت محدِّد والتشبث به على أنه وقت الإجابة يوم الجمعة وإنكار كون باقي الأوقات فيه وقتًا للإجابة؛ أمر غير سديد.
حكم إخفاء ساعة الاستجابة
كحال ليلة القدر التي أخفى الله موعدها عن المسلمين حتى يتثنى لهم عبادته والتضرع له خلال العشر الأواخر من شهر رمضان كاملةً، أخفى الله عز وجل ساعة الاستجابة بـ يوم الجمعة بالتحديد، إذ ذكر بعض أهل العلم أن الحكمة من إخفائها أن يكون العبد مثابرًا على الدعاء في اليوم كله فيعظم بذلك الأجر.
ساعة الاستجابة يوم الجمعة
واختلف أهل العلم والفقهاء في تحديد ساعة الاستجابة في يوم الجمعة وورد عددًا من الأحاديث عنها، فعنْ أَبي بُردةَ بنِ أَبي مُوسى الأَشعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ عُمرَ رضَيَ اللَّه عنْهُمَا: أَسَمِعْت أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَن رَسُول اللَّهِ ﷺ في شَأْنِ ساعَةِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: قلتُ: نعمْ، سَمِعتُهُ يقُولُ: سمِعْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: هِيَ مَا بيْنَ أَنْ يَجلِسَ الإِمامُ إِلى أَنْ تُقضَى الصَّلاةُ رواه مسلم.
وحدثنا إسحق بن موسى الأنصاري، حدثنا معن، حدثنا مالك بن أنس عن يزيد بن عبدالله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه قال أبوهريرة فلقيت عبدالله بن سلام فذكرت له هذا الحديث فقال أنا أعلم بتلك الساعة فقلت أخبرني بها ولا تضنن بها على قال هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس فقلت كيف تكون بعد العصر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي.
وتلك الساعة لا يصلى فيها فقال عبدالله بن سلام أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة قلت بلى قال فهو ذاك قال أبوعيسى وفي الحديث قصة طويلة قال أبوعيسى وهذا حديث حسن صحيح، قال ومعنى قوله أخبرني بها ولا تضنن بها على لا تبخل بها على والضن البخل والظنين المتهم.
وفي صحيح ابن ماجه: «قُلتُ ورَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جالسٌ إنَّا لنجِدُ في كتابِ اللَّهِ في يومِ الجمُعةِ ساعةً لا يوافِقُها عبدٌ مؤمنٌ يصلِّي يَسألُ اللَّهَ فيها شيئًا إلَّا قضَى لَه حاجتَهُ. قالَ عبدُ اللَّهِ فأشارَ إليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أو بعضُ ساعةٍ فقلتُ صدَقتَ أو بعضُ ساعةٍ. قلتُ أيُّ ساعةٍ هيَ قالَ هيَ آخرُ ساعاتِ النَّهارِ. قلتُ إنَّها ليسَتْ سَاعةَ صَلاةٍ قالَ بلَى. إنَّ العبدَ المُؤْمِنَ إذا صلَّى ثمَّ جلسَ لا يحبِسُهُ إلَّا الصَّلاةُ فَهوَ في الصَّلاةِ».
كيف أكون مستجاب الدعوة؟
أوضح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أنه حتى يكون المسلم مستجاب الدعاء عليه أن يتحرى الحلال في الكلمة والقلمة وفي كل شئ، وجينها سيجد البركة واستجابة الدعاء، منوهًا إلى الحديث الذي أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط»: «تُلِيَتْ هذهِ الآيةُ عِندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]، فقام سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ أنْ يجعَلَني مُستَجابَ الدَّعوةِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ، والَّذي نفْسُ مُحمَّدٍ بيدِهِ، إنَّ العبدَ لَيَقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ في جَوفِهِ ما يُتقبَّلُ منه عملٌ أربعينَ يومًا، وأيُّما عبدٍ نَبَتَ لحمُهُ مِن سُحْتٍ، فالنَّارُ أَوْلى به».
وأضاف عثمان، أنه يتعين على المسلم أيضًا حتى يكون مستجاب الدعاء أن يؤدي ما عليه لله، ويعلم ما يدخل في جوفه، ويتحرى لما كل هو حلال ويفعل كل ما أمر الله به وينتهي عن ما نهاه الله عنه، فلو رفع يديه لن يردهما الله صفرا خائبتين.
أدعية يوم الجمعة
ويستطيع المسلم أن يطلب من الله ويدعوه بكل ما في خاطره خلال ساعة الاستجابة يوم الجمعة ما لم يكن في تلك الدعوات إثم أو قطيعة رحم، ومن الأدعية التي يُمكن ترديدها في هذا اليوم الفضيل الآتي:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ.
- اللهم إنّا نسألك الجنّة وما قرّب إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قولٍ أو عمل، وأكرمنا بمغفرتك وتفضّل علينا بعفوك يا عفوّ يا غفور يا ذا الفضل والإحسان.
- اللهم أنت ملاذنا، وأنت مولانا، وأنت العليم بحالنا، إن لم ترحمنا يا رب فمن يرحمنا، وإن لم تغفر لنا فمن يغفر لنا، جئناك يا ربّي منيبين تائبين خاضعين نرجو مغفرتك ونخشى عذابك، ونسألك ألّا تغيب شمس يوم الجمعة إلّا وقد غفرت لنا ذنوبنا جميعها وتجاوزت عن صغيرها وكبيرها يا أرحم الراحمين يا رب.
[email protected]
أضف تعليق