نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالًا حول تطبيع العلاقات العربية مع سوريا قالت إنه أمر حتمي، وإن عزلة الرئيس السوري بشار الأسد عربيًّا كانت ضارة أكثر مما نفعت.

وجاء في المقال أن "الأسد في يوليو/تموز عاد منتصرًا إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عامًا من تعليق عضوية بلاده لقمع المتظاهرين خلال الربيع العربي ولدى وصوله إلى القمة العربية في جدة بالسعودية، تبادل الأسد القبلات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وصافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وأمام القادة المجتمعين احتفل بعودة سوريا قائلًا إن العروبة هي ماضي سوريا وحاضرها ومستقبلها".

وقال إن "ظهور الأسد في جدة كان نهاية مرحلة إنعاش دراماتيكية لنظام الأسد، ولقد ظل الزعيم السوري لأكثر من عقد من الزمان على خلاف مع معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أثناء قتاله لسحق التمرد الداخلي في البلاد، لكنَّ دولًا عربية مختلفة بدأت منذ 2018 في تجديد العلاقات مع سوريا".

وأردف أن "السعودية تدخلت في شتاء 2023 لإعادة دمج سوريا بشكل كامل في المنطقة، وأن جهود الرياض في هذا الصدد نجحت بعد شهرين من الدبلوماسية النشطة إذ تم الترحيب بعودة سوريا الأسد إلى عضوية جامعة الدول العربية، وقد أثار تجدد العلاقات بين الدول العربية وسوريا غضب الكثيرين في الغرب، وقد اعتبر مسؤولون ومحللون أن إعادة تأهيل الأسد أمر غير عادل للغاية ويهدد رفاهية السوريين، ويعرّض المنطقة الأوسع للخطر. "

ونقلت المجلة مقتطفات من مقال منشور لمحلل شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل حكيم في مايو الماضي قال فيه إن "إعادة تأهيل الأسد لن تؤدي إلا إلى تسريع الاتجاهات الخطيرة في جميع أنحاء المنطقة"، وتوقع حكيم أن "التطبيع سيقوي الأسد داخل سوريا ويزيد الضغط على اللاجئين السوريين خارج البلاد".

وتابع مقال "فورين أفيرز" أن "الغضب مفهوم، فقد مارس الأسد كل الأفعال الشنيعة لكي يظل في السلطة، فعندما احتجّ السوريون بشكل سلمي بالغالب في 2011، ردَّت قوات الأسد بأقسى أنواع العنف. ثم شن حملة عسكرية وحشية بل استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري".

وأوضح "لكن تطبيع العلاقات العربية مع سوريا هو الخطوة الصحيحة وقد تبدو استعادة العلاقات مع دمشق أمرًا ضارًّا، لكن مقاطعة المنطقة للنظام لم تفعل شيئًا لوقف الأسد أو لتحسين الحياة للشعب السوري، ومن خلال إعادة العلاقات مع دمشق يمكن للدول العربية إشراكها في القضايا المهمة، يمكنهم دفع الأسد لكبح جماح تجار المخدرات الذين أغرقوا المنطقة بالأمفيتامينات الخطرة ويمكنهم التأكد من أن سوريا ليست خاضعة بالكامل لإيران، والأهم من ذلك يمكنهم العمل مع دمشق لتحسين ظروف السوريين العاديين من خلال توسيع عملية وصول المساعدات، واستعادة الخدمات الأساسية لهم، والتأكد بشكل عام من أن سوريا ليست بائسة لدرجة أن شعبها ليس لديه خيار سوى المغادرة."

ونوَّه إلى أنه "من غير المرجح أن تؤيد الولايات المتحدة خارجيًّا التطبيع العربي مع سوريا، ومن المؤكد أيضًا ألّا تعيد واشنطن نفسها العلاقات مع دمشق، ولكن بالنظر إلى الحقائق فإنه يجب على الولايات المتحدة ألا تمنع شركاءها العرب من التعاون مع الأسد، على واشنطن وحلفائها الغربيين بدلًا من ذلك العمل مع هذه الدول في محاولة لجعل دمشق أقل زعزعة للاستقرار وخطورة سواء بالنسبة للمنطقة أو بالنسبة للسوريين أنفسهم ."

ولفت إلى أن "الأسد نجا بمساعدة من روسيا، استطاع أخيرًا هزيمة أعدائه ولا تزال الحرب الأهلية مستمرة، لكنها في مناطق على الهامش، لا تزال خارج سيطرة دمشق، في الأشهر التي أعقبت انتصارات الأسد، بدأت البحرين والأردن والإمارات، التي دعمت في البداية المعارضة ضده، بإعادة العلاقات مع دمشق فقد فتح الأردن، المعبر الحدودي مع سوريا. وفتحت الإمارات والبحرين سفارتيهما في دمشق".

وذكر أن "العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حمَل معه أثناء زيارته إلى واشنطن في تموز/ يوليو 2021 خطة لإعادة التواصل مع الأسد، والتقى كبار المسؤولين الأمريكيين ثم اتصل الملك عبد الله الثاني في تشرين الأول/ أكتوبر مع الأسد، كما ورفع الإماراتيون من مستوى علاقاتهم مع الأسد، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021 زار وزير خارجية الإمارات دمشق، ثم استقبلت أبو ظبي الرئيس السوري في آذار/مارس في العام التالي ".

وأشار المقال إلى أن "السعودية ظلت مترددة في التواصل مع سوريا، ورغم وجود علاقات محدودة، إلا أنها لم تذهب بعيدًا مثل جيرانها، وقد أعادت دمشق والرياض تأسيس بعض الاتصالات الرسمية المحدودة بينهما خلال 2021، لكن السعودية تمسكت في الغالب بخط متشدد تجاه دمشق وفي أواخر ديسمبر 2021 هاجم عبد الله المعلمي، سفير السعودية لدى الأمم المتحدة، بشراسة الأسد لادعائه النصر في الصراع داخل سوريا متسائلًا كيف يعلن الأسد النصر بين أشلاء الأبرياء ووسط تحول البيوت إلى ركام، أيّ نصر هذا لزعيم على أجساد شعبه ومواطنيه".

وقال إنه "في شباط/ فبراير 2023، تعرض شمال سوريا إلى هزة أرضية قوية خلفت دمارًا وتسببت بمقتل ما لا يقل عن 6.000، وبدأت الدول العربية وخصوصًا السعودية بإرسال المساعدات إلى سوريا التي عملت بالتوازي على إحياء العلاقات مع الأسد. وفي نهاية شباط/فبراير، أعلن وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان أن الوضع الراهن ليس مستدامًا، عندما يتعلق الأمر بسوريا، وفي آذار/مارس، وافقت السعودية وسوريا على استئناف الخدمات القنصلية، والعلاقات الدبلوماسية بشكل كامل".

وبين أن "السعودية قادت اجتماعًا سعوديًّا أردنيًّا عراقيًّا سوريًّا حضره وزراء خارجية تلك الدول في العاصمة الأردنية عمان في مايو/ أيار 2023 ووقّعوا على خطوات أمنية واقتصادية وسياسية لحل النزاع السوري، وبعد ستة أيام صوّتت الجامعة العربية على إعادة مقعد سوريا، وفي الـ19 من أيار/ مايو، حضر الأسد قمة جدة".

واعتبر أن "قفزة الأسد المنتصرة في جدة أثارت الكثيرين بواشنطن، وقال الأعضاء الجمهوريون في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ إن قرار الجامعة العربية بعودة عضوية سوريا يهدد بتجميد النزاع وتجنب المحاسبة، وبرز الموقف ذاته من مجلس النواب الأمريكي حيث قدموا مشروعَ قانون للحدّ من التطبيع مع الأسد".

وختمت المجلة المقال بقولها إن "الغضب على إعادة تأهيل الأسد ليس في محله، كما هو مفهوم لأن التطبيع العربي مع دمشق كان سيحدث عاجلاً أم آجلاً، لسبب بسيط وهو أن الأسد بقي في منصبه، وحكمه أصبح واقعًا، إن قرار الدول العربية إخراج الأسد من عزلته منطقي وحتمي والأمر بيد الولايات المتحدة والدول العربية للتأكد من توفير المنفعة للسوريين".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]