بقلم: رزان وائل طه
يقول الله تعالى في كتابه الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
إن النرجسية هي اضطراب في الشخصية، كما أنها تمتاز بطبيعة الحال بالغرور والتكبر، بما في ذلك كونها تعني بالاهتمام المبالغ بع بالذات والإعجاب بها.
أُشير إلى النرجسية أول مرة عام 1898 في كتابات عالم النفس هاملوك ووصفت في الأسطورة الإغريقية بأنها سلوك متطرف غير سوي وعنيد، ويعبر عن الحب المرضي للذات.
وظهور النرجسية لم يقتصر لوقت محدد فقد كان في العصور القديمة أيضًا ما قبل اكتشافه ولكننا أصبحنا اليوم نراه بشكل أوضح بعد تطور وسائل العلوم والتكنولوجيا.
أما في عالمنا العربي فقد ظهرت النرجسية كثيرًا في أشعار الشعراء وخصوصًا شعر الغزل، تقول عبير بدوي: "إن النرجسية في الأدب هو الفخر والاستعلاء والإعجاب بالنفس والتمدح بالأفعال والعجب وإكثار الشاعر من ذكر اسمه، ولقبه وتغزله بنفسه، وحب الآخرين له بحيث يجعل من نفسه بديلًا من محبوبته ويتغزل بنفسه أكثر منها ويذكر جمال نفسه".
وبالحديث عن شاعرنا عمر بن أبي ربيعة الملقب بالشاعر وهو زعيم الغزل الحضري، فإننا نرى النرجسية قد تجلت عنده حين أسهب في إظهار عاطفته إضافة إلى أن عاطفته كانت حسية وفلسفية.
واثنى طه حسين على ان شعر عمر هو صورة صادقة لحياة عصره فقال في كتابه (الغزل في العصر الاموي): "ان عمر بن أبي ربيعة هو زعيم الغزليين وزعيم الشعراء العرب قاطبه الى يومنا هذا، لانه استطاع ان يمثل العصر الذي كان يعيش فيه، والبيئة التي كان يحيا فيها، فشعره يصور الحياة الحضرية في الحجاز على حقيقتها، كذلك يصور حياة المرأة المترفة الاستقراطية".
ونرى في شعره تفخيم للذات بإفراط، كما أنه تغزل في المرأة ثم وصف ترفها واختلاجاتها النفسية.
يقول محمد فتوح أحمد في كتابه (النثر الكتابي في العصر الأموي) عن عمر بن أبي ربيعة: "أنه الشاعر الذي أقام الغزل ديوانًا لم يشهد العربي مثل ضخامته من قبل، فاختص بهذا اللون على نحو لم يتح لشاعر سواه، وتصرف في موسيقاه واورانه طبعًا لموثرات الغناء والحانه، وافتن في رصد مشاعر الانثى المحتضرة وعلاقتها العاطفية بالرجل وابدع في ذلك كثيرًا من الصور الشعرية التي تجمع بين العفوية والفن"
وفي نرجسية عمر حول الغزل نرى ما قاله في قصيدة غزل متمدحًا:
"وإني لها من فرع فهد بن مالك
ذراه وفرع المجد للمتوسع"
وقال ايضًا من الشعر في اعجاب المرأة به على حد قوله:
"قالت الكبرى اتعرفن الفتى
قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وتيمتها
قد عرفناه وهل يخفى القمر"
وقسمت ظاهرة وجود النزعة النرجسية في شعر عمر إلى قسمين: ١-المظاهر النفسية: والتي تتركز على حب الذات من حيث اعجابه بنفسه والفخر بها وتغزله وتصوير شدة اعجاب النساء به.
٢-المظاهر الفنية: وهي التي ظهرت في ذكر اسمه ولقبه وكنيته في بعض اشعاره، وجمالية بنيته السردية وشعرية الوصف عنده.
وفي الحديث عن تمحور عمر حول الذات يذكر شكري فيصل في كتابه (تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام): "انه تضخم هذا الفخر واشتد حتى كانت ذات عمر هي المحور فيه وحتى بدا وكأنما هي سبيلا الى ان يتحدث عن نفسه والنهاية الطبيعية في كل قصيدة تنتهي إلى نفسه".
إن عمر بن أبي ربيعة برز في غزله نزعة النرجسية بشكل واضح إذ أجمع الباحثين في تفسير تغزله بنفسه، فقال بطرس البستاني بأن جمال عمر وحبه لهذا الجمال هو سبب وجود النرجسية، أما رئيف خوري فقد ردها إلى نزعته النرجسية.
وفيما قال العقاد فإن طبع عمر هي طبيعة أنثوية، وأضاف الباحثين بأن طبيعة الحضارة والبيئة السائدة في ذاك الوقت وحرية النساء إضافة إلى نفسيته الخاصه بتغزل النساء به واعجابه بنفسه، وذكر اسمه وكنيته بكثره في اشعاره وتمحوره حول الذات واعجاب المرأة به كلها توخي بالنرجسية المطلقة في شعر عمر.
وهذا ما يجعل ظهور النرجسية ما قبل اكتشاف بكونه اضطراب نفسي موجود في اشعار شعرائنا العرب امثال عمر بن أبي ربيعة، والمتنبي وامرؤ القيس.
[email protected]
أضف تعليق