كتب عبد الباري عطوان :


بات اسم المُجاهد يحيى السنوار يُشَكِّل كابوسًا للإسرائيليين، حُكومةً ومُستوطنين هذه الأيّام، لأنّ الرّجل، وحسب وصف المُقرَّبين منه، يتَمتّع بجُرأةٍ وشجاعةٍ عالية وغير مسبوقة، ولا يتَرَدَّد في اتّخاذ القرار بالحرب، ولا يُؤمِن إلا بالعمل العسكريّ باعتِباره أقصر الطُّرُق لتَحرير الأراضي الفِلسطينيّة، ودحر الاحتِلال، وجُعبته مَليئةٌ بالمُفاجآت.
بالأمس فجّر السيّد السنوار قُنبلة من العِيار الثّقيل عندما ظهر في العلَن لأوّل مرّة بعد شهرين من اجتِماعه بالسّفير القطري محمد العمادي الذي وصل إلى القِطاع، ووجّه تهديداتٍ واضحة لدولة الاحتِلال بمَعركةٍ جديدةٍ ربّما تَحمِل اسم (سيف الأقصى 2) إذا لم يتم رفع الحِصار كُلِّيًّا عن قِطاع غزّة، والسّماح ببدء عمليّة الإعمار دُونَ قُيود عندما قال في مُناسبةٍ شعبيّةٍ أمس “إنّ الطّريق مَفتوحٌ أمام قِطاع غزّة لخوض مُواجهةٍ عسكريّةٍ أُخرى وإنّ المُجاهد محمد الضيف القائد العام لكتائب القسّام لديه ما يقوله في الحرب القادمة، وإنّ غزّة مُستَعِدَّةٌ لذلك”.
الصّحافة ومحطّات التّلفزة العبريّة اهتمّت بهذه التّهديدات وأفردت لها مساحات واسعة في نشَرات أخبارها وبرامجها التّحليليّة السياسيّة، مُستَعينةً بأبرز الخُبراء والمُحلّلين لفكّ “شفرتها”، وقراءة ما بين سُطورها، وربّما بطَريقةٍ أكبر من اهتِمامها بوقائع القمّة الثّلاثيّة في القاهرة التي ضمّت الرئيس المِصري والعاهل الأردني إلى جانب الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس.
هُناك رأيٌ سائد يقول إنّ ظُهور السيّد السنوار العلني، وإطلاقه هذه التّهديدات في تَزامُنٍ مع القمّة التي جاءت بطَلبٍ من الرئيس الأمريكيّ جو بايدن، وبعد ثلاثة أيّام من اللّقاء الذي انعقد في المُقاطعة في رام الله بين الرئيس عبّاس وبيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، والرّشاوى الماليّة التي رافقتها بعد انقِطاعٍ استَمَرَّ لأكثر من عشر سنوات لم يَكُن من قبيل الصّدفة، وإنّما خطوة محسوبة تَحمِل رسالةً قويّةً للمُجتَمعين في رام الله والقاهرة معًا تقول مُفرداتها إنّ جناح القسّام وقيادة حماس في القِطاع لن يَقْبَلا باستِمرار الحِصار مثلما كان عليه الحال بعد المُواجهات السّابقة حيث لم تَلتَزِم دولة الاحتِلال باتّفاقات وقف إطلاق النّار، وعلى رأسِها رفع الحِصار وبدء عمليّة الإعمار فَوْرًا.
المُجاهِد السنوار شَدَّد أكثر من مَرَّةٍ على ضرورة الفَصل بين ملف الأسرى الإسرائيليين وعمليّة إعادة الإعمار في القِطاع، وقال إنّ القضيّتين مُنفَصلتين، ويَجِب البَدء في الإعمار فَوْرًا دُونَ أيّ تَلَكُّؤ وإلا فالخِيار العسكريّ جاهِزٌ، حسب ما أكّد لهذه الصّحيفة “رأي اليوم” أحد المصادر المُقَرَّبة من قِيادة حركة “حماس”.
قتل القنّاص الإسرائيلي بارئيل شموئيلي (21 عامًا) على يَدِ شابٍّ فِلسطينيّ مُقاوم في عمليّةٍ فِدائيّةٍ عبقريّةٍ ومُبتَكرة من خِلال ثُقْبٍ صغير في الجِدار العازِل على حُدود القِطاع كشَف عن فشَلٍ عمليّاتي واستِخباراتي لدى الجيش الإسرائيلي، ولكن نقل فعاليّات “الارتِباك اللّيلي” إلى الضفّة الغربيّة نَذيرُ رُعبٍ للقِيادة العَسكريّة والأمنيّة الإسرائيليّة في رأينا، خاصَّةً إلى بلدة جبل صبيح وبلدة بيتا في نابلس، علاوةً على مُعظم المُخيّمات الفِلسطينيّة وعلى رأسها مُخَيّميّ جنين وبلاطة، مع تَصاعُد فعاليّات المُقاومة المدنيّة الاحتِجاجيّة ضِدَّ السُّلطة والاحتِلال في الوقتِ نفسه.
تعزيز سُلطة الرئيس عبّاس بالمال الإسرائيلي وبالدَّعم السّياسي من قِبَل أنظمة التّطبيع العربيّة لن يُغَيِّر من حقيقة تَصاعُد الحِراك المُقاوم المُتصاعِد في الأراضي المُحتلّة، ولن يُوَفِّر الأمان والاستِقرار للاحتِلال.
المُجاهِدان يحيى السنوار، والجِنرال محمد الضيف وقاعدتهما القسّاميّة، جميعهم فرَضوا قاعدة اشتِباكات جديدة عُنوانها الأبرز “اللّغة الوحيدة التي يفهمها الاحتِلال هي لُغَة المُقاومة”، وتعزّزت هذه القاعدة بعد الهزيمة الكُبرى لأمريكا التي علّمتهم السّحر، والانتِصار الأكبر لعمليّة “أسد القدس” الأُولى، ولعَلَّ الثّانية في الطّريق.. واللُه أعلم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]