اختتمت جمعيّة الثقافة العربيّة مشروع مسابقة القصّة القصيرة لعام 2021، وللسّنة الرابعة على التوالي، بالإعلان عن نتائج الفائزين في المسابقة من طلاب المدارس الإعداديّة والثانويّة في البلاد.
أشرفت على المسابقة لجنة تحكيم مختصّة ضمّت كلًّا من الكاتبة الفلسطينيّة أحلام بشارات، والكاتبة الفلسطينيّة رجاء غانم، والكاتبة الفلسطينيّة مايا أبو الحيات، وتقرر في ختام المسابقة اختيار 6 فائزين، بعد عمليّة تحكيم انقسمت على مرحلتين: المرحلة الأولى تحكيم جميع القصص المشاركة من قبل طلاب المدارس التي وصل عددها إلى 75. ومن ثم اختيار أفضل 20 قصّة قصيرة ليخوض أصحابها ورشة في الكتابة الأدبيّة على مدار ثلاث لقاءات مع الكاتبات الثلاث، ومن بعدها تحكيم القصص واختيار 6 فائزين نهائيين.
وأصدرت لجنة التحكيم في ختام عملها بيانًا تفصيليًا شرحت فيه سيرورة عملها ومسوغات الفوز والإشارة الخاصة بكل قصة على حدة، وتعتبر جميع القصص فائزة بنفس الدرجة دون تراتبيّة.
وجاء في بيان لجنة التحكيم:
عن القصص عمومًا
بدت النصوص المقدّمة للمسابقة، في مجملها، بعيدة عن الواقع، غارقة في الخيال الذي لا حدود لمكانه وزمانه، وانطلاقًا من هذا وَقَع فريق القراءة على نصوص سريالية، بعضها يغرق في سرياليته بحيث يفقد قدرته على توصيل رسالته، إلا أن ذلك لم يَحُل دون أن تتوفر منها نصوصٌ مصاغةٌ بطريقة غير عادية، بل مبتكرة في بعض الأحيان، ويمكن لهذا أن يكون قد حدث على نحو عفوي غير مقصود، لكن الغرابة اللغويّة التي صيغت فيها بعض النصوص قد جعل الأمر مثيرا للانتباه، وهذا ما سيبهر القارئ أحيانًا.
وعن طبيعة الموضوعات التي تناولتها هذه النصوص فقد غاب عن معظمها كل ما له علاقة بالوطن، أو الهم الوطني، كحركات النضال، والمطالبة بالحريّة، ووعي الآخر المحتل، أو الإشارة إليه وتسميته، أو تسمية الذات في مواجهته، كما غابت موضوعات عن العلاقة بالأرض، أو الطبيعة، والعلاقة مع البيئة والمحافظة عليها، وقضايا أخرى كقضايا المرأة، وفي مقابل هذا الغياب حضرت موضوعات تستدعي الرغبة في المغامرة، والبحث، أو تلك المبنية على معجم كلاسيكي في الشكل، ومتأثرة في موضوعها بالموروث، والخرافة، والغرائبية والغموض.
وربما يعود هذا إلى طبيعة المناخ الذي يعيش فيه هذا الجيل الجديد، وعلاقته بالتكنولوجيا، والتطبيقات المختلفة التي تحفز الخيال وعوالمه، ولكنها، في الوقت نفسه، تخلق حاجزًا تباعد بين أفراده وبين الواقع الذين يعيشون فيه وأحداثه، فترد هذا الجيل من حيث لا يدري إلى المقروء بين يديه في الكتاب المدرسي من ناحية، والمشاهد بصريًا عبر الشاشات الإلكترونيّة من ناحية أخرى، أي أنها تحركه بين النقيض ونقيضه، في واقع يعيش حالة متناقضة بطبيعة الحال، تغيب فيه وعنه موضوعات تلامس العاطفة، أو تغوص فيها.
وقد تكون تلك الحركة التي تنسجها لغة مختلفة المستويات بين المعجميّة المتينة، واليوميّة الركيكة، حيلة للحياة قبل أن تكون حيلة للفن، ابتكرها هذا الجيل للتعبير عن نفسه، ومواجهة صعوبات واقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي المختلف، وذلك باللجوء إلى عوالم متخيّلة يسيطر من خلالها على الأحداث، ويرسم المصائر على هواه، فتقف هذه الأعمال التي تتراوح في هويتها بين السرديّة، والمسرحيّة، والخاطرة، والبوح، في غربتها عن واقعها في منطقة قوة الكتابة وإن بدا العكس، أو على الأقل سيبدو الأمر كذلك، حتى يصبح هذا الجيل أكثر وعيًا لواقعه، وتشتد تجربته، ويقوى التراكم الذي سيصنعه يومًا وراء يوم، فيقول كلمته: أنا أكتب هكذا عن كذا لأنّ الحياة أيضًا موهبة.
عن القصص الفائزة
أرق الجنون – للطالبة آرين حامد من الفريديس
هذه قصة فيها بناء وتشويق، وتتدحرج فيها الأحداث إلى مكان واضح، وهو أمر يصعب إيجاده في الكثير من النصوص التي يتقدم بها كتّاب من هذه المرحلة العمريّة، ورغم أنها قصّة بعيدة عن الواقع، وتحدث في مكان بعيد ككندا، إلا أنها مكتوبة بطريقة تجعلك تصدق أن الكاتبة تعرف كل شيء عمّا يحدث حولها.
فهي القصة اللغز التي تستهوي كثيرًا هذا الجيل، تظهر في أحداث متسارعة، وغامضة، يقودها أبطال من اليافعين، يحاولون فك الطلاسم والإشارات، عن كتاب ملعون يحاولون فهم ألغازه. يحسب للكاتبة أيضًا أنها ذو نفس طويل في الكتابة وفي الإمساك بخيوط القصة الطويلة والمتشعبة. كما أن البطل في هذه القصّة هو الكتاب الذي ينتقل بين أيدي الناس من جيل إلى جيل، ويتنقل بأريحية في الزمان والمكان، سالبًا الناس راحتهم ونومهم، في إشارة إلى سحر كل كتاب وغموضه وجاذبيته، وهذه، بحد ذاتها، فكرة جميلة ومبدعة.
مطر الأمومة – للطالبة حلا رياض غرّة من جت
هذه القصّة فيها الكثير من العاطفة، مكتوبة بطريقة تدفع القارئ للتأثر والتعاطف مع شخصياتها، فهي الأرض والمكان والإنسان، مكتوبة بلغة شعريّة بامتياز، تجعلها الأكثر جدارة بالتقدم على غيرها من النصوص، فاللغة عالية غير المتكلفة، وجرعة المشاعر تشبه مشاعر كل أم، وثمة غموض يلف مقتل يوسف الابن: هل هو بسلاح الجنود؟ أم بسلاح المجرمين المعربدين في كل مكان؟ وما الفرق والموت موت؟
بعيدًا عن – للطالبة هاجر بصول من الرينة
قصّة خيالية، تتحلى بواقعية، تجعلها قابلة للتصديق، مكتوبة بلغة عالية يصعب إيجادها في كتابات هذه الفئة العمريّة. إنها قصّة الموقف من العالم، من بشاعته، وعنفه، والجريمة التي تنتشر فيه، وهي قصّة الأسئلة الكبرى كذلك: من نحن في هذا العالم وما هو دورنا فيه، وكيف نتفرج على كل ما يحدث ونظل مكتوفي الأيدي؟ الطابع الفلسفي الوجودي يغلب على هذه القصّة ويحرك شخصياتها وحواراتها.
عتبة فنان – للطالب نسيب بريك من مجدل شمس
قصّة عن فنان يعشق المسرح لكنه يصطدم بالواقع الذي لا يجد في الفن مهنة مشرفة، هذه القصة الوحيدة ربما المكتوبة من الواقع وتتكلم عن مشكلة اجتماعية حقيقية يواجهها العديد من الشباب والشابات.
لذلك فهي أكثر قصّة واقعية قريبة من تحديات الجيل الشاب من أحلامه وهمومه وخيباته. يختار الشاب الفن والمسرح وتبدأ معاناته مع الأهل والمجتمع الذي ينظر لهذا الخيار على أنه تهوّر، وقلة خبرة في الحياة. والأهم ربما من كل هذا هو الصراع الكبير للكشف عن هذا الشغف ومصارحة الأهل به. إنها قصّة صراع الأجيال المعروفة، والمعركة بين الحكمة والخيار الأسلم، وبين الشغف والخيارات المفتوحة، لجيل يريد أن يتعلم ويجرب بنفسه.
كالغريق عند الإغريق – للطالبة لين حامد من الفريديس
هذا النص هو مسرحية جيدة وليس قصة قصيرة، أفكار جديدة ومبتكرة وغير عادية، مع بناء جيد للأحداث المبنية بوقع الأساطير اليونانية، إذ تذهب الأحداث في مسالك المغامرات والبحر والبحارة، وقصص السفن الغارقة وما فيها من كتب ألغاز وتمائم، أما الجديد في القصّة فهو اختيار الكاتبة لحضارة الإغريق كإطار للحديث عن القصة وشخصياتها. العالم في خطر يتهاوى والكلام مخبأ في الكتب المندثرة والمقبورة في قلب السفن. مقولة جميلة للبحث عن المعاني الأسمى، ومحاولة إيجادها والحفاظ عليها.
أمين الأمين – للطالب ديمتري جدي من يافا
يمكن فك لغز اختفاء ساعة أحدهم، لكن ما يميّز الأمر في قصّة "أمين الأمين" هو أن الأمر حدث عبر لغة رشيقة وبناء محكم، وضبط متين لعنصر التشويق، فتظهر القصّة هنا مقسّمة على ثلاثة أقسام في بناء هندسي يجعل من قصة قد يبدو للقارئ أنه سمعها، في مكان ما، مميزة لأنها كتبت بلغة كاتبها. تستند الأحداث في القصّة لرجل مسن يحضر من خلال الأوصاف الدقيقة، فيظل يراقب وكأنه يتحكم بالمشهد بخيوط يشدها بيديه، وحينما يقرر أن يفلتها تحدث النهاية فتظهر القيمة الحقيقيّة للشخصيّة، التي ظاهرًيا تحرك الأحداث، وهي شخصيّة المحقق.
--
**ربيع عيد - مدير المشاريع في جمعيّة الثّقافة العربيّة
[email protected]
أضف تعليق