الى أية وزارة سيتم "ترحيل" سلطة توطين بدو النقب هذه المرة؟ السلطة المسؤولة عن حوالي 300 ألف عربي-بدوي في النقب!
اصبح هذا السؤال والتساؤل سائدًا وبديهيًا لدى عرب النقب، لكثرة ترحال هذه السلطة من وزارة الى اخرى منذ نشأتها عام 2007 , حيث كانت حينذاك تحت رعاية مكتب رئيس الحكومة ليتم ترحيلها الى وزارة الاسكان ومن ثم ترحيلها الى وزارة الزراعة لتتكفل برعاية اهل النقب من خلالها، ليتم ترحيلها من جديد الى وزارة الاقتصاد، وعقب تشكيل الحكومة الاخيرة جرى الحديث بان تكون سلطة توطين البدو تحت سلطة وزارة الداخلية والوزيرة أيليت شاكيد ، ولينتهي بها المطاف وتنتقل الوصاية عليها لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي.
يخيّل لي انه من شدة ما قدمته هذه السلطة من نجاحات غير مسبوقة فإن الجميع يتنازع من اجل ان تكون من ضمن صلاحياته وتحت سلطة وزراته وعند كل تشكيلة حكومية جديدة تبدأ رحلة الترحال من جديد.
عند إقامة سلطة توطين بدو النقب عام 2007 ,كان أحد اهم اهدافها بناء جسور من التعاون والثقة ما بين الحكومة والسلطات الرسمية من جهة وعرب النقب البدو من جهة اخرى، وللحقيقة فإن هذه الثقة معدومة ليس لان الجسور تقطعت أوصالها بل لأن الجسور لم تُبنى اساسا، اذ كيف يمكن بناء ثقة مع سلطة رسمية حوّلت التعاون الى تهاون بمصير أبناء النقب وتطلّعاتهم، سلطة غير مستقرة، تنتقل من وزارة لأخرى، ناهيك عند دورها ونشاطها العام.
هل سمعنا يوما نقل سلطة الضرائب من وزارة الى اخرى ؟ او سلطة المطارات او سلطة السكان والهجرة ؟ على الأغلب لن تسمعوا بأمر كهذا.
سنويًا يتم *تخصيص ميزانيات طائلة* لهذه السلطة لأجل استثمارها في البلدات البدوية لكن هل فعلا هنالك استثمار جاد وحقيقي؟ وهل من مراقب لعمل هذه السلطة وما تقوم به في النقب وهل تؤدي الدور المنوط بها كجسم وسلطة تعزز التعاون ما بين الحكومة المركزية والمواطنين لحل المشاكل والازمات العالقة منذ عقود بلا حل ولا رؤية حقيقية جادة, والتي يوما بعد يوم تزداد الفجوة الاقتصادية-الاجتماعية لدى أبناء النقب ، ناهيك على انه في كل مرة يتم نقل هذه السلطة لمكتب وزاري اخر فان الامور لا تتم بالاطار المفهوم ضمنا ولا يتم ذلك بكبسة زر، بل هنالك نظام بيروقراطي معقّد يتطلب هيكلة الادارة من جديد سواء كان ذلك متعلق بالمستشار القضائي ، التخطيط والمحاسبة وهيكلة الميزانيات من جديد بما يتلاءم مع الوزارة الجديدة ، كل انتقال من هذا القبيل له ثمن باهظ يدفع ثمنه ابناء النقب.
كان يمكن لأهل النقب ان يتكبدوا عناء هذه البيروقراطية ناهيك عن سلطة التوطين والنهج الذي تنتهجه مخالف تماما لما تم الحديث عنه عند اقامتها ، كان يمكن تحمل كل هذا وذاك لو ان الوضع الاقتصادي-الاجتماعي لأهل النقب كان في حال افضل ، اذ يُعتبر المجتمع البدوي في النقب الأكثر ضررا من بين الشرائح والفئات على مستوى البلاد ، وفي نفس الوقت يُعتبر ابناء النقب اكبر مخزون استراتيجي للموارد البشرية الغير المستغلة ، ووفق دارسات فان الاقتصاد العام للدولة ونموه اصبح يعتمد بشكل كبير على ابناء النقب نظرا لوجود مخزون بشري هائل غير مستغل ويعاني التهميش.
ومع كل هذا فهنالك تطور إيجابي جراء كل ما يحصل من تهميش وغُبن واقع على اهل النقب، اذ انه يعطي ايضا حافزا ودافعا حقيقيا لأبناء النقب بالتحرك واخذ زمام المبادرة بأيديهم وعدم البكاء على الاطلال والوقوف على السياج راجين ان تتحسن احوالهم جراء مبادرة هنا واصلاح هش هناك او بعض من فتات الميزانيات المزعومة، بل حان الوقت لبناء مشروع نهضوي متكامل في النقب يشكل رافعه للنقب وأهله وان لا يكونوا كالأيتام على موائد اللئام.
نحن نؤمن ان التغيير الحقيقي يأتي من الداخل ومن اعتمادنا على أنفسنا، من خلال الشباب الواعد المؤمن بذاته وقدراته والذي يسعى للتغيير الحقيقي سواء عبر المبادرات الاجتماعية -الاقتصادية والمشاريع التعليمية الفعّالة والفعاليات والنشاطات العامة، وتشابك ما بين القيادة التاريخية والشباب المبادر والذي يسعى بكل طاقة ودافعية بأخذ زمام المبادرة وتحمل مسؤولياته لأجل مستقبل واعد للجميع.
وبما ان سلطة توطين بدو النقب ترتحل من وزارة إلى أخرى بدون استقرار، وبلا خطط عمل مهنية لخدمة عرب النقب البدو، فإن عليها الاصغاء لتطلعات ورؤية وخطط العمل المهنية التي يعمل ابناء النقب لإخراجها الى حيّز التنفيذ والتعامل معهم بشكل جاد وحقيقي، حينئذ يمكن الحديث عن بناء ثقة ما بين الحكومة المركزية وعرب النقب البدو اصحاب المكان.
ابراهيم النصاصرة
سكان بلدة اللقية-النقب
مبادر اقتصادي-اجتماعي في المجتمع العربي ومؤسس ورئيس مجلس ادارة مجموعة تمام للأعمال والمبادرات الاجتماعية-الاقتصادية.
[email protected]
أضف تعليق