انطلقت مسيرة التعليم في الدولة بخطى حثيثة طوال العقود الأربعة الماضية منذ قيام الاتحاد، وحتى الآن، مسجلة مراحل مهمة، شهدت جهوداً كبيرة بذلتها الدولة وتبذلها من أجل تطوير التعليم كماً ونوعاً على الصعد كافة، حيث تحول التعليم من الكتاتيب إلى التعليم بكبسة زر بالألواح الذكية وخواص منصات التعلم عن بُعد.
وانتشر التعليم بشكل لافت في ربوع الدولة، فبحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة التربية والتعليم، فقد شهدت الدولة تصاعداً مستمراً في أعداد الطلبة والمدارس بداية من نشأة الاتحاد وحتى الآن، حيث كان عدد الطلبة في العام الدراسي (1972 /1973) قرابة 44 ألف طالب (حكومي وخاص)، وقد أصبح وفقاً لآخر إحصاءات الوزارة المعتمدة لعام 2020 ما يزيد على مليون و140 ألف طالب وطالبة، كما ارتفع عدد المدارس (الحكومية والخاصة) بين عامي المقارنة من 140 مدرسة إلى 1257 مدرسة، وكذلك الأمر في صفوف معلمي المدارس الحكومية والخاصة، الذي ارتفع أيضاً بين عامي المقارنة من 2500 معلم وإداري، إلى أكثر من 70 ألف معلم وإداري.
البداية
يرجع تاريخ التعليم في الإمارات إلى حضارات قديمة تم العثور على آثارها في عدة مواقع تاريخية، وفي تلك الفترة الأولى كان الإنسان يطور نفسه عن طريق التعليم الذاتي، واكتساب المعرفة بالمحاكاة والاحتكاك، وفي فترة لاحقة ظهر التعليم الذي مارسه معلمون توفرت لديهم معرفة في علم من العلوم، وهكذا تطور التعليم في الإمارات من النمط التقليدي البسيط إلى شكل آخر من التعليم القائم على الدروس والمقررات والأنظمة، لذا نستطيع أن نحدد من خلال حديثنا عن التطور التاريخي للتعليم أربعة أنواع من النظم التعليمية التي ظهرت في الإمارات عبر التاريخ.
النوع الأول: تعليم الكتاتيب أو المطوع
هذا النوع من التعليم كان سائداً منذ زمن طويل، وقد مارسه عدد كبير من المطوعين والمطوعات، وهم المعلمون القدامى. واعتمد تعليم المطوع على تحفيظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية إلى جانب التدريب على الكتابة والخط والإلمام بأركان الإسلام، ويوجد نوع متطور من التعليم في «المطوع» ظهر نتيجة لاختلاف الدروس التي يؤديها بعض المطوعين وتنوعها في بعض الأحيان نتيجة لتنوع ثقافته وسعة معرفته ودرايته، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ظهور تمايز واضح في الدروس التي يتلقاها الأبناء على يد بعض المعلمين القدامى.
النوع الثاني: تعليم الحلقات العلمية
هذا النوع مارسه عدد قليل من الفقهاء والعلماء والمطلعين، الذين توفرت لديهم معرفة واسعة في أصول العقيدة والفقه والتفسير والنحو والإملاء والتاريخ والدروس الدينية المختلفة، وكانت الحلقات تعقد في زاوية أو ركن في أحد المساجد، أو يخصص لها مكان أو موضع معروف في بيت الفقيه نفسه، أو في بيت أحد التجار أو الأعيان في البلدة.
النوع الثالث: تعليم تطوري أو شبه نظامي
ظهر خلال الفترة ما بين 1907م إلى 1953م، ففي هذه السنوات أدى تأثر تجار اللؤلؤ الكبار بحركات الإصلاح واليقظة العربية، ثم فتحوا المدارس التنويرية في المدن واستقدموا العلماء لإدارة تلك المدارس والإشراف على تنظيم الدروس وسير التعليم فيها، ومن أشهر المدارس التطورية في الشارقة المدرسة التيمية المحمودية سنة 1907م، والإصلاح سنة 1935م، وفي دبي الأحمدية وقد تأسست سنة 1912م والسالمية سنة 1923م، والسعادة سنة 1925م، ومدرسة الفلاح سنة 1926م.
وقد شهد التعليم التطوري في إمارة دبي تطوراً ملحوظاً منذ عام 1936م، ففي هذا العام تأسست دائرة المعارف، وهي أول دائرة للمعارف في الإمارات، وفي أبوظبي تأسست مدرسة آل عتيبة سنة 1930م، وظهرت بعد ذلك عدة مدارس على نفس النمط في مدن الإمارات الأخرى، وقد استمر التعليم التطوري حتى أواخر الأربعينيات.
النوع الرابع: التعليم النظامي الحديث
بدأ مع افتتاح مدرسة القاسمية بالشارقة سنة 1953 /1954م وهو أول عام دراسي في سلك التعليم النظامي، ظهر في بداية التعليم الحديث أو الحكومي في الإمارات، وكان تعليماً منظماً في مدارس وفصول ومقررات، إلى جانب تقويم الطالب ومنحه شهادة دراسية في نهاية العام الدراسي، وتطور التعليم النظامي في الإمارات خلال مرحلتين الأولى كانت تعتمد على الحكومات المحلية ودوائر المعارف التي تأسست خلال الستينيات.
أما الانطلاقة الكبرى للتعليم فقد حدثت منذ الثاني من ديسمبر عام 1971م، وهو اليوم الذي أعلن فيه عن قيام دولة الإمارات، فتأسست الوزارات الاتحادية ومنها وزارة التربية والتعليم، التي تولت مسؤولية الإشراف على التعليم في مراحله المختلفة، وانتشرت خلال تلك الفترة المدارس الحكومية المجهزة بأحدث الأجهزة والوسائل وذات الطراز المعماري الراقي، واستقدمت الدولة البعثات التعليمية من مختلف البلدان العربية لتساهم في تطور التعليم الحديث، وهكذا شهدت دولة الإمارات خلال تلك الفترة قفزة كبيرة في مجال التعليم أدى إلى زيادة نسبة المتعلمين من بين أفراد الشعب والقضاء على الأمية، ثم حدث تطور كبير في مجالات وأنواع التعليم ومراحله.
مسيرة التنمية
وفي استشرافها لمستقبل أفضل لأبنائها، تسعى الإمارات وبرؤية قيادتها الرشيدة نحو إحداث خطوة فارقة في مسيرة التعليم، تكفل لها تخريج أجيال متعاقبة تتمكن بما تكتسبه من معارف وعلوم، من الحفاظ على مكتسبات وإنجازات الدولة من جهة، ومن جهة أخرى تكون قادرة على مواصلة مسيرة التنمية والازدهار التي تشهدها الإمارات حالياً.
مكانة متقدمة
ويحتل النظام التعليمي لدولة الإمارات مكانة متقدمة في أجندة التنمية البشرية، كما تحظى جهود تطوير التعليم برعاية خاصة من قبل قيادة الدولة الحكيمة، التي لا تدخر وسعاً في تعزيز الجهود الرامية إلى الارتقاء بمستوى المدرسة الإماراتية.
وحقق طلاب المدارس والمؤسسات التعليمية معدلات نمو كبيرة في الاختبارات الوطنية والدولية، وأصبحت الدولة في المرتبة الأولى عربياً في اختبارات الرياضيات والعلوم والقراءة، والمرتبة (33) عالمياً في اختبارات العلوم، و(34) في اختبارات الرياضيات، و(36) في اختبارات القراءة.
ويوجد ما يقارب 3200 طالب مواطن مبتعث لأفضل 100 جامعة عالمية، وارتفعت نسبة البرامج الأكاديمية المعترف بها دولياً من (39%) في عام 2014 إلى (60%) في عام 2020.
ووصل عدد براءات الاختراع في مؤسسات التعليم العالي إلى ما يقارب (1000) براءة اختراع في عام 2020، وارتفع حجم الإنفاق على البحث والتطوير في الجامعات إلى (8.7 مليارات درهم) العام الماضي.
المدرسة الإماراتية
وأطلقت وزارة التربية والتعليم منظومة المدرسة الإماراتية، واختبارات الإمارات القياسية «EmSat»، ومنظومة التعليم عن بُعد، وتشتمل على بنية تحتية تقنية ومنصات تضمن استمرارية التعلم في الظروف الاستثنائية.
كما تم إطلاق سياسات دمج أصحاب الهمم ومنظومة اكتشاف ورعاية الطلبة الموهوبين والمبتكرين، وإعداد استراتيجية وطنية للبحث العلمي، ومنظومة الاعتماد الأكاديمي للبرامج والتخصصات.
وتجاوزت معدلات نسبة تخرج المواطنين من الثانوية العامة (97%)، ويوجد أكثر من (150) ألف مواطن خريج لبرامج التعليم العالي، منهم ما يقارب (27) ألف خريج لبرامج الماجستير والدكتوراه، وتوجد (8) جامعات وطنية ضمن أفضل 1000 جامعة عالمياً.
خطة تطويرية
من السياسة العامة للتعليم في دولة الإمارات، ومن رؤية 2021، استمدت وزارة التربية والتعليم خطتها التطويرية 2015 / 2021، نحو توفير خدمات تعليمية رفيعة المستوى وعالية الجودة، لجميع المواطنين والمقيمين على اختلاف المراحل التعليمية ونوعية التعليم (العام والفني والتقني)، وكذلك الفئات المستهدفة، بمن فيهم أصحاب الهمم.
ومن أبرز ملامح خطة الوزارة ومحاورها الرئيسة، تطوير مخرجات التعليم العام لتتناسب ومتطلبات اقتصاد المعرفة وتحقيق التكامل المعرفي للطلاب، فقد عمدت الوزارة من خلال خطتها على إلغاء التشعيب المعروف بالمسارين (العلمي، والأدبي)، إلى مسارين هما (المتقدم، والعام)، ما يتيح للطلاب الانتقال السلس من المرحلة الثانوية إلى الجامعة دون الحاجة للسنة التحضيرية علاوة على أن هذا النظام سيعفي الطلاب المتفوقين والمتميزين من بعض الساعات الدراسية المعتمدة في السنة الدراسية الأولى في الجامعات والكليات.
أما على صعيد المناهج والمواد فقد اعتمدت الخطة تطوير المناهج الدراسية لكافة المراحل خلال ثلاث سنوات على أن يتم في كل سنة تطوير المناهج لأربع صفوف دراسية، كما ركزت الخطة على تعزيز ومعايير التعليم الوطنية وإدخال برامج تفاعلية لخدمة المناهج المطورة وتطوير مناهج رياض الأطفال والتركيز على مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لتحقيق التكامل المعرفي للطلبة، واستحداث مواد دراسية تعزز الابتكار وترفع مهارات الطلبة.
واعتمدت الوزارة خطة شاملة تم من خلالها إعداد منظومة اختبارات وطنية شاملة تخدم الرؤية التعليمية للدولة بمقاييس عالمية لقياس الأداء في المواد الأساسية بالإضافة إلى مجموعة من الامتحانات الدولية المعتمدة.
برامج تدريبية
تنفذ وزارة التربية والتعليم سلسلة من البرامج التدريبية والتنمية المهنية لرفع مستوى أداء جميع العاملين في الميدان التربوي ومساعدتهم في تطبيق أفضل الممارسات التربوية وفنون الإدارة الحديثة تمهيداً لنقلة نوعية جديدة في الفكر الإداري وصناعة التطوير التي تعتزم الوزارة تحقيقها من أجل ضمان تسيير أعمال التطوير في اتجاهاتها الصحيحة ووفق البرمجة الزمنية المحددة وبكفاءة وفاعلية. أما في مجال الأنشطة الطلابية والبيئة المدرسية فإن الوزارة وضعت برنامجاً لاكتشاف الموهوبين والمبدعين والمتفوقين.
[email protected]
أضف تعليق