خلال الأشهر الثلاثة الماضية، دخلنا المرحلة الثانية من جائحة «كورونا»، فارتفعت أعداد الإصابات لتصبح بالمئات، أما الوفيات فباتت من خانتين في كثير من الأحيان.
في عيد الفطر ودون مقدمات ضرب الفيروس محافظة الخليل، وبدأ الانتشار يتسارع، بحيث لم تتمكن طواقم الطب الوقائي من حصر البؤر، والحد من الإصابات.
في تلك الفترة خرق كثير من المواطنين التعليمات التي كانت ساريةً مع بداية انتشار الفيروس عندما لم تتعد الإصابات العشرات في الأراضي الفلسطينية كلها، وفجأة أقيمت الصلوات في المساجد دون إجراءات وقائية، وفتحت المؤسسات التجارية أبوابها على مصراعيها وانطلقت الأفراح والمناسبات أيضاً، واحتشد الناس في الشوارع والمحال وأصبحت الأمور فوضوية بمعنى الكلمة.
بعد أيام بدأت أعداد الإصابات ترتفع وخلال أسابيع قليلة أصبحنا في عين الجائحة فلسطينياً وتضاعف عدد الوفيات.
لم تستطع «الصحة» تحديد البؤر المصابة لكثرتها، ولكن ما تم التأكيد عليه أن معظم الإصابات جاءت بسبب الاختلاط، والمسؤول الأول والأهم هو الأعراس وقاعات الأفراح.
حاولت السلطة إصدار أوامر بإغلاق القاعات والحد من الأعراس والطلب من المواطنين التعاون في هذا الأمر.
في كثير من الأحيان تم التعاون، وخاصة في المحافظات التي أبدى فيها المحافظون حزماً وتحدياً لأي خرق في الإجراءات الوقائية، واستخدموا الصلاحيات المخولة لهم في إطار حالة الطوارئ المعلنة، لكن في محافظات أخرى لم ينصع الأهالي إلى المطالبات والتحذيرات لسببين، السبب الأول والرئيس هو أن بعض هذه القاعات لم تكن تحت سيطرة السلطة الوطنية وخاصة في محافظتين رئيستين هما: الخليل والقدس.
في الخليل المناطق المصنفة (H2) تقع تحت سيطرة الاحتلال، فاستمرت القاعات فيها بالعمل، بل أكثر من ذلك أقام كثير من المواطنين أفراحهم في تلك القاعات، وهذا زاد الأمر تعقيداً.
وأيضاً في قرى الخليل بحكم العائلات الممتدة والأبوية الاجتماعية وغلبة التقاليد على السلطة والقانون، استمرت الأعراس وإن لم تكن في القاعات فحسب، ولكنها انتقلت إلى ساحات المنازل والشوارع المجاورة للبيوت، وحدثت إصابات كارثية من خلال الاختلاط الكبير دون حد أدنى من إجراءات الوقاية.
وفي محافظة القدس توجد منطقتان كأنهما خارج القانون وخارج السلطة.
المنطقة الأولى هي امتداد تجمع كفر عقب التي تصنف بأنها تحت سلطة بلدية الاحتلال، والثانية ضواحي القدس، والقاعات في المنطقتين مفتوحة بشكل علني دون حسيب أو رقيب.
فوضى الأعراس والحفلات في كفر عقب بؤرة خبيثة لانتشار المرض والفوضى بشكل عام.
أول من أمس، علق كثير من المواطنين في موكب عرس توقف أمام قاعة وأغلق الشارع الرئيس وهو الشريان الوحيد لتدفق حركة السير بين شمال ووسط الضفة وجنوبها، ازدحامات مرورية ومشادات بين السائقين، وتزاحم، سب وشتم، إغلاق الشارع استمر نحو ٢٠ دقيقة، ولكن الأمر احتاج إلى أكثر من ساعتين لتعود الحركة إلى طبيعتها.
القاعات مشرعة الأبواب، وحتى لمواطنين من محافظة رام الله والبيرة حيث وجدوا فرصة لإقامة أعراسهم هناك، هنا نتأكد من كيفية سير الفوضى؟!!
الأعراس لم تنقطع في محافظات الضفة وفي معظم القرى ويومياً نسمع عن محاولات الشرطة الفلسطينية وأجهزة الأمن الحد من هذه المناسبات أو فض أعراس وإخلاء قاعات، ولكن ما زالت الفوضى وخاصة في القرى البعيدة عن مراكز المدن في أوجها، وكأن الأمر لا يعني أحداً.
فقط عندما تقع الكارثة وتزداد أعداد المصابين أو تحصل وفيات يبدأ الجميع بتحميل «السلطة» و»الصحة» المسؤولية، علماً أنهم شركاء أساسيون في هذه الجائحة.
في قطاع غزة، الأوضاع ليست بأفضل، فقد ظل القطاع شهوراً بعيداً عن الجائحة، وفجأة ضرب الفيروس بقوة، ولم تعد «الصحة» هناك قادرة عن تحديد البؤر، وعلى الرغم من الإجراءات الوقائية وحالة الإغلاق فإن انتشار الفيروس استمر وتسارع.
في تقرير لـ «الأيام» قبل أيام من محافظة رفح ذكر أن السبب الرئيس لسرعة انتشار الفيروس هو إقامة الأعراس، هناك لا توجد قاعات مفتوحة لأنها معروفة وتحت قبضة الشرطة، لكن انتقلت الأعراس إلى البيوت الضيقة التي تقل مساحة بعضها عن ١٠٠ متر ويحشر فيها مئات من النساء والرجال والأطفال.
فوضى عارمة، نتيجتها ازدياد عدد الإصابات، ونحن اليوم مع بداية الشتاء وأمراض الجهاز التنفسي على الأبواب، إمكانياتنا الصحية محدودة، وعدد المستشفيات القادرة على التعامل مع الفيروس قليلة، وعدد أسرة الحالات الحرجة أيضاً دون الحد المطلوب، وقد تصل الأمور في القطاع إلى حد لم يعد فيها متسع لسرير واحد لمريض جديد.
الأمر جد خطر، وبحاجة إلى إعادة تقييم، وبحاجة إلى وقفة ضمير، وإلى يد القانون الطائلة التي تسري على الجميع، المسؤولين قبل المواطنين، فهل من مستمع؟!!
[email protected]
أضف تعليق