من المتوقَّع على نطاق واسع، أن تواصل إدارة بايدن الجديدة السياسة التي اعتمدها الحزب الديمقراطي تجاه الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، خاصة في الفترة الأخيرة من إدارة أوباما السابقة عندما امتنعت الولايات المتحدة في خطوة غير مسبوقة عن التصويت لصالح قرار يدين الاستيطان، الأمر الذي مكَّن مجلس الأمن من اتخاذ القرار 2334 الذي طالب إسرائيل بالوقف الفوري وعلى نحوٍ كامل جميع الأنشطة الاستيطانية وذلك في الأسبوع الأخير من كانون الأول 2016 أي قبل حوالي شهر من تسلُّم إدارة ترامب رسمياً مفاتيح البيت الأبيض.
ومع أنّ البرنامج الانتخابي للرئاسة للحزب الديمقراطي والذي نشر في آب الماضي لم يتعرّض لمصطلح «الاحتلال الإسرائيلي» في إطار تحديد موقف من الملف الفلسطيني الإسرائيلي، إلاّ أنه تمسّك بحل الدولتين واعتبار الاستيطان عقبةً أمام الاستقرار والتوصل إلى سلام، داعياً إلى حق الفلسطينيين في العيش بحرية وأمن في دولة خاصة بهم قابلة للاستمرار، وهو الموقف المعلن من قبل الحزب في الانتخابات التي جرت في العام 2012، ولذلك أضاف الحزب موقفه إزاء الجديد في خارطة الملف الفلسطيني - الإسرائيلي والمعارض لخطة الضم في سياق معارضة خطة ترامب التي تعرف بصفقة القرن التي يرى الحزب أنها تقوّض احتمالات قيام دولتين.
الفلسطينيون، كانوا دائماً وأبداً قد اعتبروا أن ترامب أسوأ رئيس أميركي وصل إلى البيت الأبيض بعد أن نقل الموقف الأميركي في إسرائيل من حليف إلى حليف استراتيجي، والهدايا التي قدمتها لإدارة نتنياهو باتت معروفة من نقل السفارة إلى القدس المحتلة إلى ملفات صفقة القرن، والتي تتضمن مرجعيتها خلفيات توراتية تعتبر أن الفلسطينيين هم الذين يحتلون «أرض اسرائيل»، وفي السياق أيضاً اعتبار الجولان جزءا من أرض إسرائيل، إضافة إلى تشجيع ودعم موجة التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
بعد ذلك، وهناك ما هو أكثر، هل يمكن القول إن كل الإدارات الأميركية متشابهة في علاقاتها بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي وبنفس القدر من الخطورة على القضية الفلسطينية؟ هل يمكن القول إنّ إدارة بايدن لا تختلف عن إدارة ترامب؟! من هنا يمكن تفهّم أسباب الترحيب الفلسطيني الحذر وعلى كل المستويات الشعبية والرسمية ومغادرة ترامب البيت الأبيض وتسلم مفاتيحه من قبل بايدن، وذلك دون بناء آمال كبيرة بإنصاف وعدل مطلقين، إذ سيظل التحالف الأميركي - الاسرائيلي قوياً ومتحدياً، كما أن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وتقويتها لن يضعف، فعلاقات الحزب الديمقراطي بما فيه الثنائي بايدن ونائبته كمالا هاريس من أكبر المؤيدين لدولة الاحتلال، إلاّ أنهما سيأخذان بالاعتبار أفكار ومواقف الموجة الجديدة في الحزب الديمقراطي الأكثر شباباً وديمقراطية والأقل التزاماً بالاحتلال والأكثر تفهماً لقضية الشعب الفلسطيني.
لن يعيد بايدن السفارة الأميركية إلى تل أبيب، لكنه من المرجّح حسب تصريحات قيادات الحزب الديمقراطي وكامالا هاريس أنه سيُعيد القنصلية الأميركية التي تعالج قضايا الفلسطينيين إلى السفارة، ويعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، الأمر الذي من شأنه إعادة الزيارات الرسمية المتبادلة بين رام الله والعاصمة الأميركية، وكذلك استعادة الدعم المالي لوكالة «الأونروا» والسلطة الفلسطينية، إلاّ أن مقابل كل ذلك سيتوفر ضغط هائل على القيادة الفلسطينية لإعادة الحديث عن المفاوضات وإعادة التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، والضغط على السلطة لوقف مخصصات أسر الشهداء والأسرى وعدم اتخاذ إي إجراء من شأنه نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي.
ربما يكون من الجيد أن إدارة بايدن ستخصص الفترة الأولى من حكمها للملفات الداخلية الأميركية قبل أن تشرع في رسم سياستها الخارجية، ذلك أن مثل هذا الضغط الذي أشرنا إليه من شأنه أن يضع عراقيل على ملفات المصالحة الفلسطينية الداخلية. إن إرجاء الضغوط الأميركية يوفر فرصة زمنية للإفلات من هذه الضغوط والعراقيل في حال توفر الشروط الفلسطينية الداخلية الجارية الآن وقبل الضغط الأميركي لإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة.
[email protected]
أضف تعليق