في تشرين أول من كل عام نستحضر من ذاكرة شعبنا الفلسطيني، التي لا يمكن أن تُمحى، هبة القدس والاقصى. في الثامن والعشرين من ايلول عام 2000 اقتحم أريئيل شارون مجرم صبرا وشاتيلا، بصفته زعيم المعارضة الإسرائيلية، باحات المسجد الأقصى المبارك تحت حراسة أمنية مشددة وبموافقة حكومة حزب العمل، الأمر الذي أثار موجة غضب فلسطينية عارمة، بدأت من باحات الاقصى وانتقلت الى مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية، ومع سقوط شهداء في الأراضي الفلسطينية في الثلاثين من أيلول أعلن الداخل الفلسطيني عن إضراب عام رافقته تظاهرات شعبية غاضبة، واجهتها الشرطة الإسرائيلية بقسوة مستخدمةً الرصاص الحي، مما أدى إلى سقوط ثلاثة عشر شهيداً من الداخل الفلسطيني عدا الشهداء في سائر الأراضي الفلسطينية.


في كل عام تعود علينا هذه الذكرى لنستذكر فيها الشهداء الذين سقطوا ومعاناة عائلاتهم، كما ونستذكر الجرحى وعائلاتهم الذين لا زالوا يعانون مرارة هذه الذكرى ومأساتها حتى يومنا هذا، ولا ننسى أن من ارتكبوا الجريمة لم يقدموا لمحاكمة عادلة، هذا ناهيك عن آلة التحريض العنصري على المستوى الإعلامي والسياسي والشعبي ضد كل ما هو فلسطيني، وكل ذلك تعززه قوانين عنصرية، كلها تُصاغ وتخرج الى حيزالتنفيذ من داخل أقبية الكنيست الإسرائيلي راعية المشروع الصهيوني.

تعود علينا هبة القدس والأقصى في ذكراها العشرين في ظل ظروف غير عادية، حيث فاجأتنا جائحة كورونا لتعزز مأساة الداخل الفلسطيني والقدس والأقصى، فالتقت مع حالة من التدهور في الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية على المستوى المحلي، وحالة من الانبطاح السياسي على المستوى العربي والإقليمي. حيث أضحى الفلسطينيون في ظل انبطاح هذه الانظمة وتهافتها على التطبيع المجاني مع المؤسسة الاسرائيلية، كالأيتام على موائد اللئام، حيث تتسابق هذه الدول للتطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية مجاناً، لا بل إن بعضها وعد بنقل سفارته إلى القدس، كل ذلك يأتي على حساب شعبنا الفلسطيني، الذي لا زال يعاني من التنسيق الأمني بين هذه الدول والمؤسسة الاسرائيلية.

مدينة القدس والمسجد الأقصى المباركان وما تعرضا له، كانا السبب الرئيس في هبّة القدس والأقصى، وقد أثبت شعبنا الفلسطيني برمته من خلال هبة القدس والاقصى وما تلاها من محطات نضالية أنه كُلٌّ لا يتجزأ، وأن الداخل الفلسطيني يشكل لَبِنَةً هامة في هذا البناء الفلسطيني، لها حقوق جماعية، ولها مشروع وهوية وطنية تتعارض مع المشروع الصهيوني، لذلك زادت المؤسسة الاسرائيلية من شراسة حربها على هذه المجموعة بعد هبة القدس والاقصى، فلاحقت قادتها وأغلقت مؤسسات، وحاولت إغراق هذه المجموعة بمشاريع أسرلة من أجل تفتيت هويتها، كل ذلك بالتزامن مع تشديد الخناق على القدس والأقصى، من خلال مشاريع التهويد وفرض السيادة بقوة السلاح وتعزيز اقتحامات المستوطنين لفرض سياسة الأمر الواقع وتغيير الوضع القائم بالتدريج، كون تغيير الوضع القائم بدأ باحتلال غربي القدس عام 1948 واستمر بالتدرج باحتلال شرقي القدس عام 1967، ولا زال هذا التدرج قائماً إلى يومنا هذا.

شعبنا الفلسطيني الذي صمد في وجه التهويد وسياسات التمييز العنصري، سيصمد في وجه التطبيع المجاني، هذا الشعب في الذكرى العشرين لهبة القدس والأقصى سيرجم بالنعال كل من تسول له نفسه من قيادته السكوت أو التطبيل لأي دور لدول التطبيع في القضية الفلسطينية على وجه العموم وفي القدس والمسجد الأقصى المباركين، على وجه الخصوص.

ستمر الشعوب العربية على المدى القصير بمرحلة منقطعة النظير من رفع مستوى الوعي والتحدي للأنظمة المطبِّعة، والتي ظنت أنّ الربيع العربي انتهى إلى غير رجعة، حيث بدأت تظهر للعيان كيانات وجمعيات مناهضة للتطبيع حتى داخل هذه الدول المطبعة، وعلى المدى المتوسط والبعيد لا نستبعد، اذا ما توفرت حاضنة مناسبة، أن يتطور النضال وينجح في قلب أنظمة حكم العار هذه.

إنّ الداخل الفلسطيني بحاجة الى تطوير الوعي الوطني والهوية الوطنية الفلسطينية وتحقيق الوحدة الوطنية على أساس الثوابت ونبذ المشروع الصهيوني ومناهضة التطبيع ومناهضة سياسات الأسرلة وسياسات الاقتلاع والتهجير ومحو الذاكرة، وكذلك محاربة مظاهر العنف، التي تغذيها أيادٍ معروفة داخل مجتمعنا بهدف تفتيته لصرفه عن التفرغ للقضايا الوطنية والمصيرية، وكل ذلك لن يكون إلا تحت سقف لجنة المتابعة المنتخبة كبيت جامع لكل الداخل الفلسطيني.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]