تقرير: تسيلا كوتلر هداري ("شومريم" – المركز للاعلام والديمقراطية)

لا شك في أن جائحة الكورونا قد ألحقت ضربة قاصمة بالعام الدراسي الماضي، حيث ان الصراع على الميزانيات قد اضطر وزارة المعارف الى تجميد برامج تعليمية وتربوية بقيمة (1.4) مليار شيكل، ما يعني ان برامج من شاكلة "كاريف" و "السلة الثقافية" وغيرهما من البرامج التي فتحت أمام تلاميذ المدارس آفاقاً جديدة، أصبحت الآن تواجه مصيراً غامضاً، يعصف بالفئات التي تقطن في البلدات الضعيفة والفقيرة البعيدة عن المركز.

ويعلل المسؤولون في وزارة المعارف هذا "التجميد" بأن وزارة المالية ترفض صرف الميزانيات المخصصة للبرامج المذكورة بسبب عدم وجود ميزانية مقررة للدولة نتيجة للخلاف بين رئيس الحكومة، نتنياهو، وخلفه البديل بيني غانتس.

وما يزيد الطين بلّة، ان العديد من تلك البرامج تدار من قبل جمعيات تُعنى بالتربية والتعليم، وهي تشغّل آلاف الموظفين الذين يقدمون خدمات اجتماعية – تربوية – تعليمية لمئات الآلاف من التلاميذ، وخاصة في المناطق النائية، دون دعم يُذكر من الحكومة، بينما يشتكي مسؤولو هذه الجمعيات من اللامبالاة من قبل وزارة المعارف، الأمر الذي يفاقم الفجوات الحاصلة في جهاز التعليم – كما يرون، معربين عن مخاوفهم على مصير كم كبير من البرامج.

الخصخصة التي خرجت عن السيطرة 

كيف وصلت إسرائيل الى وضع أصبح فيه جهاز التعليم يعتمد على القطاع الثالث (الجمعيات) في كل ما يتعلق ببرامج التعليم التكميلية واللامنهجية، بحيث تتوقف هذه البرامج لمجرد خلافات بين رجال السياسة؟ 

للإجابة على هذا السؤال تجدر الإشارة الى ان جهاز التعليم يلجأ الى خصخصة الخدمات التربوية لصالح منظمات وجمعيات خارجية، وتخصص لها الوزارة ربع ميزانيتها (11 مليار شيكل – حسب معطيات العام 2014)، بينما يستفاد من تقرير وزارة المعارف الصادر في يونيو حزيران 2020 ان هنالك (200) جمعية تعنى بالتربية والتعليم، مدعومة بمبلغ (474) مليون شيكل، و (330) جمعية توارثية (دينية) مدعومة بمبلغ (1.2) مليار شيكل.

ويستدل من موقع "جايد ستار" انه تنشط في إسرائيل (8949) جمعية من هذا النوع تشكل 23.7% من مجمل الجمعيات الناشطة في البلاد.
وعن ذلك يقول د. نير ميخائيلي، عميد كلية "أورنيم" والمسؤول السابق في وزارة المعارف ان نهج الاعتماد على الجمعيات مستمر منذ عشرات السنين، لكن في أوقات الشدة يبدو ان من السهل التخلي عن هذا النهج، مما يجعل مصير الجمعيات وموظفيها غامضاً ومختلاً، وها نحن نرى ذلك بأم أعيننا، وندفع ثمنه غالياً.

حالة غير مسبوقة

ان نموذج برامج التربية اللامنهجية يخلق اختلالات وتشوهات في التشغيل، حيث ان المرشدين والمعلمين يعملون بطريقة المقاولة، وقبل أسبوع بدأت محكمة العمل تنظر في هذه القضية، حيث قدم المحامي غيل بارطال، رئيس منظمة "معوف" التماساً ضد شركة التماساً ضد شركة المراكز الجماهيرية ووزارتي المعارف والمالية طالباً وقف فصل حوالي (4) آلاف من المرشدين والمعلمين العاملين في اطار برنامج " كاريف" الذي يهدف الى توسيع المعرفة والمهارات لدى التلاميذ، والذي يجري انتهاجه في (118) سلطة محلية للبلدات الفقيرة منذ سنوات التسعين، وقد بدأ كبرنامج تجريبي بتمويل من التبرعات من الجمعيات الخيرية، ثم جرى تبنّيه من قبل وزارة المعارف، وتبلغ ميزانيته الحالية قرابة ربع مليار شيكل.

يقول المحامي بارطال: "ها نحن الآن نشاهد النتائج الخطيرة لخصخصة أجزاء كبيرة من جهاز التعليم، بينما نحاول منع تدني مستوى التعليم وتبذير موارد الدولة وتضييع إنجازات البرنامج وتحميل السلطات المحلية وأولياء الأمور أعباء ثقيلة".

وقد وجه بارطال هذا الكلام في رسالة الى وزيري المعارف والمالية، ورئيس الحكومة، نيابة عن موظفي "كاريف"، وحثهم على إيجاد حل مالي يتيح استمرار تشغيلهم ثم دمجهم في البرامج المعدّة في إطار أزمة الكورونا.

وأضاف ان المسؤولين يتهربون من مقابلتهم، على الرغم من ان قاضي المحكمة أمر بوقف عمليات الفصل وطلب من المديرين العامين للوزارتين التوصل الى حل لان وزارة المعارف صرحت بانها تدعم برنامج "كاريف" لكن هنالك حاجة لميزانية، بينما ادعت وزارة المالية انه لم يتم حتى الآن إقرار ميزانية للدولة.

برنامج "ميلات" وبرنامج "مفراس" 

وهنالك برنامج آخر يواجه خطر الزوال بسبب انعدام الميزانيات، وهو برنامج "ميلات"، الذي يتيح هو الآخر يوم تعليم طويلاً للتلاميذ القاطنين في البلدات الفقيرة، وقد بدأ أيضاً كبرنامج تجريبي بتمويل من تبرعات الجمعيات الخيرية، ثم تحول التمويل الى وزارة المعارف والسلطات المحلية واولياء الأمور. وقد توجه ميخائيل حين، مدير الجمعية التي تدير البرنامج، الى وزير المعارف مؤخراً، وبشكل عاجل، مناشداً العمل على تجنب أزمة تلحق الضرر بآلاف التلاميذ، مع الإشارة الى ان الضرر الذي لحق بالبرنامج يزيد عن مليون شيكل، ويكتنف مصيره الغموض.
كذلك لحقت أضرار ببرنامج "مفراس" الذي يديره صندوق "لاوطمن"، وقد أقيم عام 2012 لايجاد اطار مهني للمعلمين ومديري المدارس لتطوير المبادرات والحداثة والتحديث في التربية. 

وعن ذلك تقول ياعيل نئمان، المديرة العامة لصندوق لاوطمن: "نحن ننشط في مجال التربية ونؤمن بالاستقلال الذاتي والتدعيم لمديري المدارس حيث ندعوهم للمشاركة في برامجنا. وقد دخلت وزارة المعارف كشريك ابتداء من العام الثالث مع تمويل بمقدار النصف وتتيح لنا منح هبات للمديرين وإقامة دفيئات للمبادرات وتطوير أدوات في مجال التربية والتعليم".

"لن نقوم بفصل أحد"!

وعن نشوء جائحة الكورونا، تقول المديرة العامة، ان وزارة المعارف قد ابلغتها في آذار مارس الماضي بتجميد المشروع، لكنها عادت واستأنفته، لأنه تضمن فعاليات تتناسب مع الجائحة، وخصصت له ميزانيات تكفي حتى أواخر آب أغسطس، لكن وزارة المالية أبلغت المعارف بعدم جواز التعاقد مع أية جهة خارجية ما يعني ان مشروع صندوق لاوطمن يبقى بنصف ميزانية ولا يدري القائمون على الصندوق متى سيُستأنف ضخ الميزانيات" ورغم ذلك فنحن مستمرون في تشغيل الطواقم ولن نفصل أحداً" – كما تؤكد المديرة العامة ياعيل نئمان.

وهنالك برنامج آخر قديم وراقٍ، احتل العناوين مؤخراً، وهو برنامج " السلة التربوية"، الذي يُعنى بالعروض المسرحية والمتاحف واللقاءات مع الأدباء والعروض الراقصة لصالح جهاز التعليم، وهو ينطوي على فائدة عظيمة للتلاميذ، بينما يتيح تدعيمه مالياً مصدر رزق لعدد كبير من المبدعين، وتبلغ ميزانيته (30) مليون شيكل سنوياً تتقاسمها وزارة المعارف (30 مليون شيكل) والسلطات المحلية وأولياء الأمور، تماماً مثلما هو نظام متبع بالنسبة للبرامج التعليمية والتربوية.

وعلى ضوء الضغط الشعبي، بما في ذلك المظاهرة التي نظمت امام منزل وزير المعارف، يواف غالانت، صرّح الوزير بانه تم إيجاد حل للميزانية المخصصة لاستمرار انتهاج فعاليات السلة التربوية حتى نهاية العام، ومع ذلك أشار الى انه قام بتحويل المسؤولية الى لجنة المعارف التابعة للكنيست، التي ما زالت ترفض البتّ في مسألة المدفوعات المستمدة من أولياء الأمور.

تهميش القطاع الثالث (الجمعيات)

يقول أحد مسؤولي الجمعيات الناشطة في تمويل وإدارة الفعاليات التربوية اللامنهجية، أنّهم اضطروا الى اخراج جميع المرشدين لتلك الفعاليات الى اجازات غير مدفوعة الأجر بسبب ازمة الكورونا "لكن ما زالت لدينا مصروفات مستمرة، ونحن عالقون في وضع لا نعرف كيف نتصرف فيه، وعندما انفرج الاغلاق تلقينا إذناً من عدد محدود من المدارس لمواصلة العمل وما زال مصيرنا غامضاً" – كما قال.

وأشار المسؤول الى ان الدعم والمواكبة من جهة الحكومة ضعيفان جداً، "وهي لا تأخذ بالحسبان ان لدينا موظفين يقدمون خدمات هامة وضرورية، ومع اقتراب افتتاح العام الدراسي الجديد فإننا حريصون وملتزمون بتوجيهات وزارة الصحة، بل وأعددنا برامج تتلاءم مع هذا الوضع الجديد، لكن ذلك يتكلف اموالاً ومصروفات إضافية لا نعرف من أين نأتي بها" – كما قال.

وتبدو معالم الضائقة واضحة صارخة في هذا المجال، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، مثلما هو حاصل مثلاً في الجمعيات التي تُعنى بتعليم الموسيقى (المعهد الموسيقي في شفاعمرو – مثلاً، وبرنامج "يارا" المنتهج في المجتمع الدرزي فيما يخص الأنشطة التربوية)، وغيرهما كثير.

تعقيب وزارتي المعارف والمالية 

وتعقيباً على ما ورد في هذا التقرير قال متحدث بلسان وزارة المعارف ان الوزارة لم توقف العمل بأي برنامج من البرامج التي ورد ذكرها، لكن سبب توقفها المؤقت يعود الى عدم إقرار ميزانية جديدة للدولة.

وأشار التعقيب الوارد من وزارة المالية الى الضائقة المتعلقة ببرنامج "كاريف"، فقال: لا توجد لدينا حلول، ونحن أمام عام مليء بالتحديات من النواحي المالية!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]