تتابع رابطة السايكولوجيّين العرب باهتمامٍ بالغ السّجال المجتمعيّ حول قانون "منع العلاج النفسيّ الإصلاحيّ القسريّ للمثليّين"، واشتقاقاً، حول الحرّيات الفرديّة و حقّ الاختلاف في سياق اجتماعيّ وثقافيّ تعدّديّ بشكلٍ عام. هذا السّجال، الصحيّ والهامّ جداً، والذي لا يستثني الزميلات والزملاء الاختصاصييّن النفسيّين والمعالجين النفسيين ومهنيي الصحّة النفسية العرب على اختلاف تخصصاتهم وتوجّهاتهم، يصبّ في صلب الوجود والاجتماع الإنسانيّ ويتواصل بعمق مع مفهوم الصحّة النفسيّة للأفراد والمجموعات.
تسعى الرّابطة، من موقعها المهنيّ والثقافيّ، إلى المساهمة في إتاحة مساحة رحبة من الحوار المتأنّي حول هذه القضيّة الهامّة والقضايا الأخرى ذات الشأن وذلك من خلال لغة مهنيّة تخاطب العقل والقلب وتتجنّب أي نبرة استعلائيّة أو اقصائيّة أو ترهيبيّة في حقّ أي طرفٍ في النقاش.
كانت الرابطة ولا تزال سبّاقة ومثابِرة في تطوير وترشيد النقاش حول موضوع التعدديّة الجنسيّة والجندريّة تحديداً وذلك من خلال المشاركة كمرجعية استشارية لوضع كتيّب إرشادي وتنظيم حواريّات مفتوحة في مناطق مختلفة في البلاد ومداخلات في الإعلام.
ترى رابطة السايكولوجيين العرب أنّ تعدّديّة الهويات الجنسيّة والجندريّة باتت حقيقةً نفسيّةً واجتماعيّة ناجزة وإن لم تزل خلافيّة أحيانًا ومربِكة على الصعيد المعرفيّ والثقافيّ والعاطفيّ، في الوقت الذي تشير فيه الأدبيّات النفسيّة بوضوح الى فشل ما يسمّى ب"العلاج الاصلاحيّ" و الى انعكاساته السلبيّة المدمّرة على الصحّة النفسيّة والجسديّة للأفراد. في هذا السياق ترى الرابطة في القانون المقترح تجسيداً لحجر الزاوية في بناء الصحّة النفسيّة، ألا وهو مفهوم الحرّية باعتبارها شرطاً لتحقّق إنسانيّة الفرد وسعادتِه ومغزاه الوجوديّ، وحيّزاً لاستكشاف وممارسة التوق المتأصّل في النفس البشريّة للحبّ والعِرْفان وللتناغم، المفقود والمنشود في آن، بين النفس والجسد، والمجتمع والكون في تجلّياته ومسّمياته المختلفة. الحريّة هي معادِلٌ للمسئولية عن الذات والدّفاع عن أصالة الكينونة ونقيضٌ للإكراه والتعذيب والنيل من الكرامة الانسانيّة. لذلك لا يمكن للفعل العلاجيّ أن يكرّس العنف الرمزيّ والنفسيّ المتمثّل بفرض هويات وأنماط حياة على الأفراد والمجموعات. ولا يمكن للغرفة العلاجيّة إلاّ أن تقترح نفسها مجالاً استبصاريّاً آمناً للتأملّ في مصائر الكينونة النّفسْجَسديّة للأفراد وفي المآلات الممكنة لسيروراتها النفسيّة والجنسيّة والجندريّة المتعدّدة وفي احتمالات تغريدها الوجوديّ الفريد، والسعيد إن أمكن، خارج السّرْب المكبّل بالإجماع والتّقليد والتشابُه والأحكام المسبَقة.
تحرُّر التعدّدية الجنسيّة الجندريّة من قاموس التوصيف الاضطرابّي والمرضيّ، لا يلغي حقّ المختلفين معها في التعبير عن مواقفهم حيالها دون وصمٍ وذمٍّ للاختلاف. لكنّ الجميع مطالبون بالاصغاء المحبّ والمتفهّم إلى ألم وأمل الأفراد والعائلات، من غيريّات وغيرييّن ومثليّات ومثليّين ومتحولات ومتحوّلين وأخريات وآخرين باحثات وباحثين عن توازن ضروريّ للذات وللحياة دون خوف أو عنف يستنزف حرّيتنا وإنسانيّتنا جميعاً، دون استثناء.
[email protected]
أضف تعليق