تنتهي في عام 2020 مدّة خطّة 922، وهذه برأيي فرصة جيّدة لمراجعة التجربة وتصحيح الأخطاء الكثيرة المتعلقة فيها، وإزالة الكثير من الأوهام حولها من خلال وضع الأمور في نصابها، وتسميتها بمسميّاتها الصحيحة، لكي نستطيع كمجتمع أن نحصّل للسنين القادمة خطّة اقتصاديّة أفضل تستطيع أن تسدّ الفجوات بشكل أفضل، وأن تقرّبنا أكثر من تحقيق المساواة المنشودة، وتكون بمثابة استثمار حقيقيّ وذي جدوى بمجتمعنا العربيّ. في هذا المقال القصير أريد أن أشير إلى 3 أخطاء أساسيّة شابت مرحلة الاستعداد والمفاوضات مع الحكومة حول الخطّة 922.
الخطأ الأول في خطّة 922 كان أنّ الوفد العربي المفاوض لم تكن لديه آليات عمل، ولا خطة أو برنامج محكم للإقناع، ولم يكونوا مزودين بخطة استراتيجية اقتصادية للمطالبة بحقوق المجتمع العربي. إنّ تغييب دور الأكاديميين والخبراء والعلماء الاقتصاديّين عن الوفد العربيّ الذيّ فاوض الحكومة، ما منع أن تكون هناك خطة الاقتصاديّة مستندة إلى أبحاثهم وخططهم المقترحة وتصوراتهم، وعلى فهمهم الواسع للمجال الاقتصاديّ ومصطلحاته وبياناته ومعادلاته. تتطلّب المفاوضات مع الحكومة على خطة اقتصاديّة حضورًا مركزيًا لأصحاب الاختصاص والقدرات والمعرفة العلميّة والعمليّة بالمجال الاقتصاديّ. هذا أمر قد يبدو مفهومًا ضمنًا للجميع لكنّ هذا لم يحصل عند إقرار الخطّة 922، بل العكس هو الصحيح، لم يكن مع الوفد أي خبير اقتصاديّ، وقد تمّ إلغاء الدور الرياديّ للباحثين والعلماء الاقتصاديّين واستخدام أبحاثهم وأرقامهم دون توثيق المصدر. إنّ محاولة تغييب العلماء والباحثين مردّها رغبة شخصيات سياسية بالانفراد الإعلامي، وعدم كشف حقيقة الخطة وتسويقها كإنجاز لتحقيق مكاسب سياسيّة شخصيّة، أو حزبيّة في أحسن حال، لكن الخسائر كانت جماعيّة.
الخطأ الثاني في مرحلة الاستعداد والمفاوضات، وهو مرتبط بالأول، كان عدم تشكيل مجموعات عمل من مهنيين في المجتمع العربي في المجالات ذات الصلة بالخطّة. بحيث تقوم كلّ مجموعة من هذه المجموعات بإعداد خمس خطط شموليّة، ثم صياغتها في خطة واحدة مبنية في الأساس على مسوح لاحتياجات المجتمع العربيّ، والإصرار عليها كقاعدة للتفاوض مع الحكومة، وليس أن تكون الخطّة التي أقرّتها الحكومة ضمن قرار 922 من إعداد شركة خاصة تُدعى TASK. هذا ما كان يجب فعله في المرة السابقة، والفرصة ما زالت قائمة لإنجاز هذا العمل الذي - باعتقادي - يجب أن يكون تحت سقف لجنة المتابعة التي تضم أيضاً اللجنة القطرية والقائمة المشتركة.
فالخطأ الثالث، والجوهريّ، فهو التوجّه الخاطئ للقضايا الاقتصاديّة، والتعامل معها كأنّها قضايا تخصّ السلطات المحليّة فقط، وليس المجتمع بأكمله وبشكل بنيويّ. يعمّق هذا توجّه التمييز الجماعيّ ضدنا. القضايا الاقتصاديّة أشمل من مجال الحكم المحليّ، والنتيجة كانت أنّ الخطة الاقتصاديّة جاءت بالفُتات للمجتمع العربيّ ولم تلبِّ احتياجاته ولم تحمل في طياتها آليات لتغيير جذريّ يحقّق نموًا اقتصاديًا ويكفل خروجًا آمنًا من الفقر المتراكم.
أقوى دليل على ذلك هو ما حدث في ميزانية 2017 و2018 والقرار الحكومي بتخصيص 5 مليار شاقل لمدينة نتيڤوت في العام 2018 في مجال الإسكان فقط. فحتّى لو افترضنا نفس الافتراض الخاطئ أنْ الخطة الاقتصادية 922 وصلت إلى 9 مليار في جميع بنودها (مع أنّني أثبت في مقال سابق لي أنّها لم تتعدَ فعليًا 2.5 مليار)، هذا يعني أن 9 مليار شاقل لكل المدن والقرى العربية في كل المجالات ولمدة 5 سنوات، أي أقلّ من 2 مليار في السنة. بينما بلدة يهوديّة واحدة فقط حصلت على 5 مليار في عام واحد ولمجال واحد فقط: هذا دليل دامغ على الحجم الاقتصاديّ الحقيقيّ للخطّة 922، وعلى إشكالية تضخيم الأرقام لتسويق إنجازات بدل انتقاد التمييز، والمطالبة بالميزانيات التي "وقعت على الطريق"، كما هو دليل على أنّ احتياجات المجتمع العربيّ هي أكثر بكثير من هذه الخطة، وكذلك على استمرار انعدام المساواة في توزيع الثروات الماليّة، والذي هو لبّ المشكلة وهو الذي يجب أن يشغل بال السياسيّين ويؤرق مضاجعهم.
إنّها اللحظة التاريخيّة المناسبة للعمل بشكل جديّ لوضع خطة اقتصاديّة شموليّة بإشراك مختصين في كلّ المجالات من أجل نيل حقوقنا المدنيّة والاقتصاديّة وتحصيلها. وأدعو جميع من لديهم القدرة من مؤسسات أهليّة وأعضاء كنيست ورؤساء سلطات محليّة للانضمام إلى المنتدى الاقتصاديّ العربيّ لكي نبدأ بهذا العمل، ولدينا فرصة لا تعوض بسبب مواكبة المجتمع الدوليّ لقضايانا السياسيّة والاقتصاديّة بشكل غير مسبوق، والحاجة لخطّة تطوير اقتصاديّ جديد تستبدل خطّة 922 التي تنتهي، كما ذكرت، هذا العام. لدينا كمجتمع كلّ القدرات لأن نتنظّم بشكل جماعيّ ومهنيّ ونطرح خطّة مدروسة وقابلة للتحقيق، وعدم القيام بذلك الآن سيكون إضاعة لحق وإخفاق ستحاسبنا عليه الأجيال القادمة.
[email protected]
أضف تعليق