في الماضي القريب، والبعيد وبالأخص، في بداية ثورة التجارة الإلكترونية، كان هناك سيناريو مُتخيّل لكيف سيكون شكل العالم بعد ١٠-٢٠ سنة.
فعليًا كان التصور أن العالم سيتجه نحو التجارة الإلكترونية لدرجة أن من خبراء الاقتصاد تنبأوا أن بعض الأماكن التجارية في الأسواق قد تقفل أبوابها إذا لم تضع في سلم أولياتها رؤية وخطة للتسوق عن بعد "أونلاين" .
جاء فيروس كورونا فأجبرنا أن نطبق السيناريو المستقبلي المحتمل، واستقدم الموسم الآتي فعليًا دون سابق إنذار ولم يقتصر الأمر على التجارة الإلكترونية، بل بكل المجالات الاجتماعية التربوية الاقتصادية وحتى السياسية، وأُجبرنا إجبارًا أن تكون معظم حياتنا عن، بعد شئنا أم أبينا، لفترة ما، لا نعلم لكم ستستمر.
هنا يتجلى المجال الذي لا يقل أهمية وقيمة عن غيره بل وقد يكون الأهم، ألا وهو التعليم والتعلم عن بعد، مع أني سوف أفصل بين التعليم والتعلم عن بعد لاحقا.
دون سابق إنذار ودون جاهزية مثلى اضطر الطالب أن يمتثل لآلية التعلم عن بعد، واضطر المعلم أيضا أن يبدأ في ليلة وضحاها بالتدريس، ما كشف عَدَم الجاهزية، التي بدت واضحة عند فئة لا يستهان بها من المعلمين.
المعلم أو المعلمة غالبًا هو ولي أمر الذي سوف يتابع تعلم أبنائه ويعلم أبناء غيره في نفس الوقت، كَثرة البرامج المستعملة وتعدد الروابط الإلكترونية وضعف الدراية في البرامج المحسوبة أحدث خلل في هذه المنظومة.
المفهوم العام للتعلم عن بعد:
إتاحة التعلُّم للمُتعلِّم في موقع إنترنت، دون انتقال المُتعلِّم إلى المدرسة، وعلى هذا الأساس يتمكَّن المُتعلِّم أن يجمع بين التعلُّم وأي شيء آخر، إن أراد ذلك، وأن يُلائم المنهج الدراسي وتوقيت سرعة المادة الدراسيَّة بما يناسب الأوضاع والظروف الخاصة به.
التعلُّم عن بُعد هنا آلية تعليمية تقوم على فكرة إيصال المادة التعليميَّة إلى المُتعلِّم من خلال أساليب التواصل المحوسبة، المُتعلِّم هنا منفصل ومبتعد عن المُعلِّم خلال حدوث عمليَّة التعلم .
التعلُّم عن بُعد قد يكون نظام لتوفير التعلُّم للأفراد، وقد يكون استكمالاً لنظام التعلُّم الصفي الاعتيادي، أو للنظام المستقل باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة.
من مميزات التعلُّم عن بُعد شموله بعض أشكال الدراسة التي لا يجدها الطالب في غرفة الصف، إنها تلك التي يدعمها ويعززها مشرفون بعيدا عن المُتعلِّمين.
بما أننا لا نتحدث عن تقويم تحصيل المُتعلِّمين بل عن تغيير طارئ في التعليم، مبدئيا يقوم التعلُّم عن بُعد على عدم اشتراط الوجود الفعلي في نفس الوقت للمُتعلِّم مع المُعلِّم وبهذا يفقد كلٌ من المُعلِّم والمُتعلِّم خبرة التعامل المباشر مع الطرف الآخر.
وهنا لا بد أن يكون بينهما وسيط، وللوساطة هذه جوانب تقنية وبشريَّة وتنظيميَّة، فضلا عن أن المُتعلِّم يتمكَّن من اختيار وقت التعلُّم بما يتناسب مع ظروفه الخاصة، دون التقيد بجداول منتظمة ومُحدَّدة مسبقا للالتقاء بالمُعلِّم وهذا ما فقدناه في الطريقة التي بدأنا باستعمالها .
مراعاة الفروقات التعليمية بين الطلاب :
الطالب المتفوق :
في التعلم عن بعد فرصة للطالب المتفوق صاحب القدرات العالية لأن يتخطى الحواجز ويكثف سرعة تقدمه بالمواد التعليمية بما يتلائم مع قدراته، وهنا لا ينبغي عليه الانضباط في سرعة تمرير المادة التقديرية التي يقدرها المعلم في غرفة الصف المتجانسة، بل قد نكتشف مواهب الطالب المثابر الذكي وقدرته في التسارع باستيعاب الوحدات التعليمية وهنا يكون دور المعلم اجابة عن بعض الأسئلة ومتابعة أداء الطالب.
الطالب صاحب القدرات المتواضعة:
قد يبدو لنا أننا ظلمناه في آلية التعلم عن بعد، لكن مع ملائمة الوحدات التعليمية من البسيط إلى المعقد قد نتيح له فرصة البداية من الأساسيات وهو أمر قد يكون فات الطالب تعلمه لعدة ظروف خاصة، هنا أتت فرصة تقليص الفجوات بين هذا الطالب وبين المرحلة التعليمية التي يجب أن يكون قد وصل إليها هنا أيضا قد يبدو دور المعلم والأهل معقدا لكن المعلم هو الذي يعرف ما يناسب كل طالب وطالب لذا وظيفته هنا التوجيه والمتابعة اذا توفرت اساسيات تعليمية محوسبة كان من غير الممكن تعليمها للطالب المتأخر تحصيليا في الغرفة الصفية.
الطالب المتوسط:
هذا الطالب الذي يستطيع استرجاع ما فاته من مواد وايضا يستطيع التقدم في المواد، دور المعلم هنا ايضا المتابعة والتوجيه .
دور الأهل :
هنا تختلط الايجابيات بالسلبيات والأهم هو المساهمة كي تطغى الإيجابيات على السلبيات والمفتاح الأساسي هو تنظيم الوقت .
طالما انشغلنا بالكماليات على حساب الامور الاساسية حتى اصبحت الكماليات منهاج حياة، في هذه الفترة قد نجد الساعات الطوال التي يجب ملأها بما يفيد ونكتشف ذواتنا وأبنائنا من جديد، في الأيام العادية قبل أزمة كورونا إمتلأت أوقاتنا بالكثير الكثير من العمل ومعظمنا فشل في إدارة برنامج يومي عادل نعطي فيه كل ذي حقٍ حقهُ فكما لأولادنا علينا حق أيضا لأنفسنا علينا حق ولأهلنا علينا حق .
على الجهات المختصة تنظيم دورات تدريبية أو توجيهية وجيزة للأهل عند الاقتضاء، ومساعدتهم في توفير الأجهزة المحوسبة، وتقديم الحلول لهم بشأن استخدام البرامج المحوسبة خاصة البيوت متعددة الطلاب من مختلف الأجيال .
الآن قد نستطيع المحافظة على تشكيل المثلث التربوي الطالب، المعلم والأهل بشكل متساوي الأضلاع، الآن فقط نملك الوقت الكافي لمتابعة ما يتعلمه أبنائنا وبإمكاننا الاطلاع على المواد بل ودراستها مع الطالب، ملائمة المواد للطالب هي أيضا قد تلائم للأهل خاصة الذين لم يحصلوا على فرصة تعليمية .
لا بد من مكتبة محوسبة تضم دروس منظمة حسب الحلقات والمواد الدراسية، يحصل عليها الطلاب والأهل في كافة الأوقات، عند وضع هذه البرامج الدراسية يجب مراعاة بعض الشروط، منها وضع مناهج إرشادية من الجداول حسب الحلقات المدرسية.
علينا توفير الصفوف المتزامنة، وهي عبارة عن حلقات دراسية يقوم فيها المعلم والطالب، حيث يجب تواجد المعلم والطالب في نفس الوقت بدون تحديد المكان، والقسم الثاني هو الصفوف الغير متزامنة وفيها المواد الملائمة.
كما أسلفت المفتاح هنا إعادة إدارة الوقت وتنظيمه حتى يصبح منهاج حياة بيتي متاح لما بعد ازمة كورونا.
الخلاصة:
أزمة كورونا غرست فينا ثقافة التعلم عن بعد شئنا أم أبينا، وحسب رأيي يجب تحويل برامج التعلم عن بعد لبرامج متعددة الأساليب ومتلائمة مع قدرات جميع الطلاب وملائمتها للأجهزة الذكية المتوفرة مع معظم الطلاب .
بالنسبة لبرنامج المدرسة قد يتحول لبرامج متابعة وتوجيه لا برامج تعليم، وهنا قد تلائم المدرسة البرامج الدراسية للطلاب حسب مراعاة الفروقات التي تحدثت عنها أعلاه، وعلى وزارة التربية والتعليم المسارعة في انتاج برامج لكل طبقة جيل مدرسية أيضا، مع مراعاة الفروقات بين الطلاب، مثل إنتاج برامج على طريقة "مبتدئ، متوسِط، مُتقِدِم".
في فترة الانضباط في البيت قد تكون الفرصة التي قد لا تسنح لاحقا بإنتاج هذه المواد، والتي قد تكون صعبة في البداية ، لكن عندما يعتاد عليها العقل، وننجح في تنظيم الوقت، سوف تكوّنِ قفزة لعشرة السنوات على الأقل .
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
كلّ حرف في مكانه ووقته، يُمثّل ما يعيشه مجتمعنا في هذه الفترة من ضغوطات تفوق قدرة البشر على الاحتمال، مجتمعنا بحاجة لأمثالك لتضيف عليه عبقًا فكريًّا صادقًا، يجعل من هذا الصّرح مرجعًا ذا قيمة ومصداقيّة.