شنت على الصين في الفترة الأخيرة حملة واسعة وشعارات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي بقصد تشويه سمعة الصين عامة وسمعة إقليم شينجيانغ خاصة بعد تغريدة اللاعب الألماني صاحب الأصول التركية "مسعود أوزيل" التي انتقد فيها إدارة الصين في منطقة شينجيانغ عن معاملة مسلمي الإيغور بمعاملة وحشية وظلم، فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا التوقيت ولصالح لمن هذه الحملة؟
ولذلك علينا أن نوضح بعض النقاط التالية التي تنفي الصورة النمطية عن الصين:
أولاً: تستمر الحملة على الصين خاصة بعد فشل كافة الجهود في ضرب استقرار الصين عبر القوانين الجائرة التي أقرها مجلس النواب الأمريكي مؤخراً قانون ما يسمى الحريات في هونغ كونغ وقانون الحريات بسكان شينجيانغ والتبت، ومحاولة ضرب الصين بجيرانها فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي وأيضاً الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ثانياً: ما يلفت النظر أنه في هذا الشهر الحالي احتفل قادة شمال الأطلسي "الناتو" بمرور سبعين عاماً على تأسيسه، وناقشوا في قمتهم للمرة الأولى صعود الصين التي احتفلت قبل شهرين بمرور سبعين عاماً على تأسيس الجمهورية، فقد تحولت الصين من دولة معزولة إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم، ولتصبح ثاني أكبر دول العالم من حيث الإنفاق العسكري بما في ذلك الصواريخ النووية، وهو ما يبعث على القلق ويدفع زعماء الحلف لطرح ملف بكين على طاولة اجتماعاتهم.
ثالثاً: الحديث عن جمهورية الصين الشعبية هي دولة لا دينية فهي لا إسلامية ولا غير إسلامية، حيث أن نظام الحكم يعتبر أن الدين أحد أسباب تخلف الشعوب بغض النظر عن هذا الدين سواء كان الإسلام أو غيره. يتكون الشعب الصيني من 56 قومية أكبرها قومية "الهان" وهي تشكل 93% من مجموع السكان وال 55 قومية الأخرى تشكل 7%، من هذه القوميات 8 قوميات مسلمة، منهم مسلمون الإيغور وهذه القومية ذات أصول تركية وهم يسكنون إقليم شينجيانغ وهو يشكل نحو خمس مساحة الصين.
رابعاً: تترك الحكومة الصينية للصينيين وغير الصينيين حرية التدين بشرط عدم التدخل في معتقدات الآخرين سواء متدينين أو غير متدينين، وأن تمارس طقوس العبادة في المكان المخصص أو في المنزل ولكن ليس في الأماكن العامة. وهنا استشهد ببعض الملاحظات من زملائنا الأكاديميين في الجامعات الصينية، بأنه فور وصولهم للصين يتم تعريفهم بالمطاعم الحلال الخاصة بالمسلمين، ويرتاد هذه المطاعم أيضاً الكثير من غير المسلمين من الأساتذة والطلبة، ويعمل في هذه المطاعم المسلمون الصينيون رجالاً ونساءً، والنساء يرتدن الحجاب مما يدل على أن هذه المطاعم ليست ممنوعة مطلقاً، كما أن ارتداء الحجاب لا يشكل أي مشكلة في الصين، فكم من الطالبات العربيات والمسلمات يرتدينه في الجامعة، ولم يتم استهجانه أو رفضه في داخل الجامعة. وكذلك في داخل المنهاج الدراسي يتم الحديث عن الحجاب ولباس المسلمين والطعام الحلال بطريقة إيجابية جداً تنم عن الاحترام والتقدير للآخر. ويمارس الأساتذة العبادة في المسجد وتقام صلاة الجمعة، والصلاة تقام مرتين ليتسنى لمن يتأخر أن يؤدي هذا الفرض.
خامساً: هناك مشكلة سياسية مع سكان إقليم شينجيانغ (مسلمون) وسكان إقليم التبت (بوذيون) حيث أن سكان هذه الأقاليم تم دعمها من الخارج، التبت من الهند الولايات المتحدة الأمريكية، وشينجيانغ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً، من أجل أن تنفصل عن جمهورية الصين الشعبية وتستقل وتقيم دولها الخاصة. وبالفعل تأسست أحزاب مناهضة للحكومة الصينية في هذه المناطق تطالب بالاستقلال عن الصين وأسست مجموعات عسكرية قامت بتنفيذ العديد من التفجيرات وأحداث شغب في عدة مدن صينية، لذلك الحكومة الصينية تتعامل مع هذه القوميات بحزم شديد لأنها تعتقد بأنهما مخترقتان وتنفذ أجندة خارجية لا يمكن للحكومة أن تسمح بها.
سادساً: ورد في تقرير جديد أصدره مركز الدراسات الأمريكية بجامعة سيدني أن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بالتفوق العسكري في منطقة المحيط الهادي والهندي، وأن قدرتها على الاحتفاظ بتوازن القوى لصالحها أصبحت محل شكوك متزايدة، وحذر التقرير من أن خطة الدفاع الأمريكية في المنطقة على شفا أزمة غير مسبوقة، وأن واشنطن قد تعاني في الدفاع عن حلفائها أمام الصين، فالصين تتقدم في التقنيات العسكرية في عدة مجالات منها الطائرات الحربية والمسيرة، والتكنولوجيا العسكرية، والسفن الحربية المتطورة، لذلك يدور الصراع بين بكين وواشنطن على من يكون القوة الأعظم عالمياً في مجال التكنولوجيا، وتكشف بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح الصين. (استكنال )
سابعاً: استثمرت الصين في القارة الأوروبية منذ عام 2008 عبر مجموعة من رجال الأعمال الصينيين الذين يمتلكون شركات مدعومة بشكل أو بآخر من الحكومة، وفي خلال 10 سنوات تمكنت تلك الشركات من إبرام 678 صفقة في 30 دولة أوروبية، كما سعت الصين إلى توفير الدعم الاقتصادي الكبير للدول الأوروبية التي تعاني من تعثر اقتصادي، وبذلك استطاعت أن تضم أصواتاً داعمة لها داخل منظومة الاتحاد الأوروبي.
ثامناً: طبقاً لمقال نشره موقع "ناشونال إنترست" نمت التجارة بين الصين وإفريقيا من عشرة مليارات دولار عام 2000 إلى 190 مليار بحلول عام 2017، وتشير التقديرات إلى أن 12% من الإنتاج الصناعي لأفريقيا البالغ 500 مليار دولار سنوياً تتولاه شركات صينية، كما أن الصين قد أعفت دولاً إفريقية محددة من سداد ديونها المستحقة عام 2018، وتدير بكين جوالي 2500 مشروع تطوير أعمال مدنية ومشاريع إنشاء بقيمة 94 مليار دولار في 51 دولة إفريقية.
فالصين التي نتحدث عنها اليوم تسهم ب 35% من النمو الاقتصادي العالمي، وأكبر دولة مصدرة للسلع في العالم بعوائد تصل إلى 4,3 تريليون دولار، والأمية في الصين لا تتجاوز 3% من عدد السكان، وحسب تقرير البنك الدولي أكثر من 850 مليون صيني تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر خلال عقدين من الزمان، وأن الناتج المحلي الإجمالي يساوي 12,1 تريليون دولار أمريكي، ونسبة البطالة لا تتجاوز 4%. فبعد أن كانت شبه قارة يرتكز اقتصادها على الزراعة، فقد استيقظ التنين على نفسه ليكتشف بأنه عملاق لا يمكن تجاهله في خريطة العالم الاقتصادية والعسكرية، فبدأ يضرب بالأرض إعلاماً بمكانته الحقيقية وصارخاً بوجه أمريكا والقوى العالمية الأخرى، أنا هنا .ـ. أنا هنا، فكيف لا يتأمرون على الصين!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]