رغم أن الصورة الانتخابية في إسرائيل لم تنجل بكامل تفاصيلها لكن هناك جملة أمور مؤكدة منها فشل نتنياهو في ترهيب المواطنين العرب وإبعادهم عن صناديق الاقتراع وانقلاب السحر على الساحر،بالعكس فقد حفزّتهم حملاته عليهم للانتقال من الدفاع والانكفاء للهجوم والمشاركة في حرمانه من تشكيل حكومة يمين متطرفة ضيقة وربما إسقاطه. هذا المكسب المعنوي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل ( حتى على المستوى الفلسطيني العام) ينم عن النجاح بالثأر من " الساحر المحرض " وهو مهم من ناحية تعزيز قوته ومكانته وثقته بنفسه ورما يتحول لمكاسب سياسية عملية. حاول نتنياهو ذلك يوما بعد يوم بواسطة كاميرات مراقبة وإرسال مراقبين مسلحين وشحن هجمات متتالية لنزع شرعية المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل وتحويله لفزاعة ومادة لتهويش اليهود على العرب بصفته " طابورا خامسا " يستعد لقتل الإسرائيليين نسائهم وأبنائهم ". وتعتبر هذه الحملات على المواطنين العرب(17%) جزء من استراتيجية سياسية – انتخابية ورؤية أيديولوجية لدى نتنياهو منذ ولايته الأولى عام 1996. وقتها وعقب اغتيال رئيس حكومة إسرائيل الراحل اسحق رابين عام 1995 على خلفية تحريض اليمين والمستوطنين عليه وبمشاركة نتنياهو نفسه لتوقيعه اتفاق أوسلو عام 1993 أطلق نتنياهو حملته الانتخابية الأولى تحت عنوان " نتنياهو جيد لليهود". وفي الانتخابات السابقة في أبريل/نيسان الماضي كرر نتنياهو تحريضه على الأحزاب العربية ملوحا بهم فزاعة لترهيب اليهود ودفعهم للاصطفاف خلفه بصفته " سيد الأمن " الأول. وهكذا في الجولات الانتخابية السابقة عام 2009 وفي 2015 حيث بادر في يوم الانتخابات للقول بصوت عال ودرامي مخاطبا الغرائز لدى اليهود بأن العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع مما رجّح كفته.

وهذه المرة أيضا استل نتنياهو فكرة كاميرات المراقبة لمنع العرب من " سرقة الانتخابات " وتزوير النتائج مثلما فعل في الانتخابات الماضية قبل شهور حيث أرسل " الليكود " 1200 مراقبا مدججين بالكاميرات.

ولاحقا اعترف قادة كبار فيه أنهم رغبوا بخفض نسبة التصويت لدى العرب ونجحوا بذلك لافتين للتأثير البالغ لذلك في عملية توزيع المقاعد وتحديد النتائج النهائية للانتخابات خاصة في ظل حالة التعادل الشديد بين القطبين المتنافسين " الليكود " و " أزرق- أبيض ". وبعد فشله في تشريع قانون لتثبيت هذه الكاميرات صعد نتنياهو تحريضه الدموي لدرجة القول على صفحة " الليكود " في الفيسبوك بأن العرب ينوون ذبح اليهود متجاهلا حقيقة كونهم مواطنين في دولة تعرف نفسها دولة يهودية ديموقراطية.

هذه المرة بتحريضه الفظ والمفرط ومبكرا على كل المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل وليس فقط على نوابهم وأحزابهم ساهم نتنياهو بتسخين الشارع العربي وتحفيزه للمشاركة بالانتخابات للثأر منه بما لا يقل عن الرغبة بدعم " المشتركة " المطالبة باستخلاص دروس كثيرة متنوعة وبروية وجدية.

الثأر من نتنياهو

" المشتركة " التي فازت بـ 13 مقعدا في انتخابات 2015 تراجعت أحزابها لـ 10 مقاعد في الانتخابات السابقة في الربيع الفائت بعدما تفككت لكتلتين متنافستين وغير متجانستين فازت بـ 13 مقعدا( ثلاثة مقاعد إضافية) بفضل ارتفاع نسبة المشاركين العرب في الاقتراع لـ 60% بعدما كانت قد بلغت الحضيض في الانتخابات السابقة،49% للمرة الأولى منذ مشاركة العرب الفلسطينيين في انتخابات الكنيست الأولى عام 1949. ويبدو أن الفضل في ارتفاع التمثيل العربي في الكنيست مرده ليس استعادة تشكيل " المشتركة " فحسب لاسيما أن حملتها الانتخابية جاءت متأخرة ومتلعثمة وفوضوية( زاد طينتها بلة تدخل غير مهني من قبل المرشحين ناهيك عن عدم سلوكهم الجماعي). الفضل الحقيقي للمواطنين العرب الذين رغبوا بالمساهمة في معاقبة نتنياهو وحرمانه من تشكيل حكومة خامسة،حكومة يمين متطرف، برئاسته تهدد مصالحهم هم وشعبهم.

عداوة تاريخية

غير أن نظرة تاريخية للجولات الانتخابية في إسرائيل ولعقيدة نتنياهو شخصيا والواردة في كتابه " مكان تحت الشمس " تعكس ما هو أعمق من محاولة استخدام المواطنين العرب فزاعة دعائية. في خطابه أمام حزبه فجر اليوم،ساعات بعد إعلان النتائج الأولية، واصل نتنياهو حملته على المواطنين العرب بطريقة غير مباشرة بتأكيده على ضرورة تشكيل حكومة يهودية صهيونية فقط في إشارة واضحة لإقصائهم. ويلاحظ أنه فعل ذلك بعد انتهاء الانتخابات والحملات الانتخابية فواصل بذلك محاولات نزع الشرعية عن المواطنين العرب رغم أن مواطنتهم ولدت غداة النكبة وعمرها 71 عاما.

عناقيد الغضب

استنادا لعدة قرائن يستدل أن نتنياهو المنتمي للجناح المتطرف المعادي للقيم الديموقراطية والليبرالية داخل " الليكود " الذي يرى بالمواطنين العرب عدوا داخليا و " طابورا خامسا " سبق أن قال عدة مرات في الماضي إن العدو ليس في الخارج بل هنا في الداخل ".

وتضاعفت كراهية نتنياهو للعرب الفلسطينيين في إسرائيل (17%) بعدما كاد أن يخسر المنافسة الأولى على رئاسة الحكومة مقابل شيمون بيريز عام 1996. وقتها فاز نتنياهو على بيريز بفارق نحو 50 ألف صوت فقط( 50.1% مقابل 49.9%) ولاحظ وقتذاك أنه كان بوسع المواطنين العرب إسقاطه لو شاركوا في الانتخابات كما يجب ولم يحجموا عنها احتجاجا على ارتكاب حكومة إسرائيل بقيادة بيريز مجزرة قانا في جنوب لبنان خلال عدوان " عناقيد الغضب ". ومن وقتها صعد نتنياهو عمليات شيطنة المواطنين العرب ونزع شرعية مواطنتهم بعدما أدرك خطورة قوتهم السياسية رغم أقليتهم مما دفعهم للمشاركة في إسقاطه بالتصويت بنسبة أعلى في انتخابات 1999 ودعم منافسه إيهود براك الذي تغلب عليه بفارق كبير في انتخابات شخصية مباشرة بينهما. مساهمة المجتمع العربي في وقف مسيرته وفشله في تشكيل حكومة يمين ضيقة برئاسته والتحصن بها أمام المحاكم مكسب معنوي ومؤسس غني جدا بالطاقة، إذا ما عرفت المشتركة التقاطه واستثماره بحكمة ومسؤولية فسيأخذ السياسة العربية لـ طريق جديد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]